الجديد

قوانبن منتديات لمني بشوق
عدد مرات النقر : 7,418
عدد  مرات الظهور : 116,004,653

الإهداءات


أهلا وسهلا بك إلى منتديات لمني بشوق.
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.

(✿) يُحْكَى أَن .. الْتِقَاطَة مَشْهَد وَصِيَاغَة حَدَث وَقَص الْحِكَايَة بِأَقْلَامَكُم , حِيْنَهَا نَقُوُل يُحْكَى أَن ..

( دموع لن تجف أبدا ) قصة من واقع الرياض

بسم الله الرحمن الرحيم بحر من الحب ؟ أم عالم من الوفاء ؟ أم صحار ممتدة من الود ؟ أم سماء صافية من العشق ؟ أم أشجار باسقة من

إضافة رد
قديم 03-30-07, 02:51 AM   #1
آهات مبدع...
منتديآت لمني بشوق
 
الصورة الرمزية آهات مبدع
افتراضي ( دموع لن تجف أبدا ) قصة من واقع الرياض

بسم الله الرحمن الرحيم
بحر من الحب ؟ أم عالم من الوفاء ؟ أم صحار ممتدة من الود ؟ أم سماء صافية من العشق ؟ أم أشجار باسقة من التضحية ؟ أم ورود ملتفة من الحنان ؟ أم أنهار جارية من الدموع ؟ أم كهوف
مظلمة من الغدر ؟ أم مغارات موغلة من الخيانة ؟ أم أشواك متراصة من الحقد ؟ أم عالم متفرد من الأخوة ؟ أم جيش جرار من الهيام ؟ أم جبال راسية من الصدق ؟ أم هضاب ممتدة من الصبر ؟ أم مدن محترقة من الفراق ؟ أم قنابل متفجرة من البغض ؟ أم ...
أكتب لأزيدني احتراقا أم لأزيدها تعذيبا أم لأزيدها بكاء أم لأزيدهم خيانة ،أم لأزيد القراء تسلية ...

عاهدتها بأيمان مغلظة ألا تكتب يدي إلا لها , ولأجلها , وهاهي الآن تنكث وتمتد لتلطخ بدمي وتخربش بدمعي صفحات بيضاء أمامي لتكتب عنها , لا لها ولا لأجلها , ولكن مادام عنها فلتتمخض يدي ما تشاء ؛ فما هو إلا لها وعنها ولأجلها كتبت ( دموع لن تجف ) .

البداية :

في القاعة الكبيرة التي تتوسط بيتنا جلست مع أمي وأخي سالم وخالتي بدرية وابنها أحمد نتجاذب أطراف الحديث وندير الكلام في مواضيع لا تزيدني إلا ضيقا وتململا في مكاني , ولن أستطيع سحب نفسي من المجموعة لخارج البيت احتراما لأمي ولضيوفها خالتي بدرية وابنها أحمد وابنتها ( بدور ) ـ وكانت بدورها في الصالة العليا صالة النساء ـ مع ريم أختي ونوره زوجة أخي سالم
ـ خالتي بدرية : وانت يانايف وش راح تسوي ألحين وانت مخلص الجامعة ؟؟
ـ أنا !!؟
الجميع ضحك وقالت أمي : شكله مسرح مع بدور حبيبة القلب هههههه
ـ خالتي : أجل العلم كذا اممم شوف يا ولدي بدور ما تمل تسألني عنك شدوا حيلكم عشان تتزوجوا
ـ ريم من فوق : يمه الغدا زاهب تفضلوا

في الحقيقة ساعتها خلصتني ريم من موقف لا أحسد عليه ؛ وهو أني لا أريد الحديث في موضوع الزواج أبدا , بالطبع الزواج الذي لم أحدده أنا وإنما حددته أمي مع خالتي ربما قبل أن نولد أنا وبدور ابنة خالتي , العادات والتقاليد عندنا والمواقف التقليدية عندنا تحكم بذلك ,
جلسنا للغداء وجثم على نفسي ملل كئيب لا أدري لم ؟ كنت أسمع أحاديثهم وضحاكتهم كأنها آتية من مغارة بعيدة , عدنا لتلك الأحاديث المملة بعد الغداء , مجاملات , أحاديث في أخص خصائص الجيران , وإن تطور الأمر لم يجاوز سوق الأسهم ...
بعد أن غالبت نفسي كثيرا استأذنت منهم بكذبات اختلقتها وخرجت وأدرت محرك سيارتي وتوجهت بغير قصد كنت أجوب شوارع الرياض كلها إذا طرأت علي مثل هذه الحالة , حالة الضيق النفسي , أدرت مسجل السيارة واستمعت لأغاني بثت في نفسي بعض المرح , بحثت عن هاتفي الجوال وأخرجته من جيبي وتفاجأت مكالمة لم أسمع رنينها , نظرت فإذا هي أختي ريم
، مذا تريد ريم , كنت معها قبل قليل , ربما تذكرني بغرض لها من أحد تلك الأغراض التي طالما وعدتها بشرائها وتناسيت كعادتي ..
ـ ألو ... ريم
ـ ها نايف ليه ما رديت ؟
ـ ما عليش ريم بس والله ما سمعته كنت رافع بالمسجل
ـ وينك نايف ألحين؟؟
ـ بالرياض , هههههه
ـ لا والله احسبك بجهنم , قلي صدق وينك ؟
ـ قريب أدور في الشوارع .
ـ وين المكتبه اللي قلت لهم راايحهاا الله يرجك .
ـ انا طلعت من المكتبة ألحين , المهم هآ ليش داقه علي , شوفي أنا بعيد ألحين من محلات الاكسسوارات والملابس .
ـ شوف نايف ودي توديني مكان ... توافق؟
ـ وين ؟
ـ عند روان اختي أروح لها وبعدين تودينا أسواق بقولك عليهااا ها وش قلت .. تكفى نايف
ـ قالوا إن تكفى تهز الرجاجيل .. خلاص أمري لله بوديكي إن شالله سطح القمر.
ـ ههههههه هذا إذا كنت أصلا أكلم رجااال ,, قال تكفى تهز قال ...
ـ والله .. طيب ريم
ـ لا ياسيد الرجال تعال ودني الله يخليك . أمزح معك
ـ أوكي ريم بااي

عندما كانت ريم صغيرة لم تبلغ الشهر الخامس مرضت أمي مرضا شديدا كان والدي ـ رحمه الله ـ في ذلك الوقت يحمل ريم بين يديه ويهتم بوالدتي في نفس الوقت ثم بعد أن اشتد المرض بأمي وتزايدت الحمى الشديدة طلب والدي من زميله في العمل أبو روان وكان قد علم بأن مولودته الجديدة في نفس عمر ريم اختي , أن يطلب من زوجته إرضاع ريم ريثما يهتم هو بوالدتي ويعالجها , أولئك الأناس الطيبين وافقوا على الفور ولم يمانعوا بأن تدخل ريم بيتهم ابنة من الرضاع
أذكر أني كنت واجما في زاوية المنزل في ذلك الوقت وعمري لا يجاوز الخامسة وأخي سالم بجانبي لم يجاوز الثامنة , أشاهد أبي ـ رحمه الله ـ يتصبب عرقا بعد أن اتصل على زميله أبو روان بانتظار حظورهم يحمل ريم بين يديه وهي تبكي وأمي ممدة في سريرها لا تشعر بنا
كانت تلك اللحظات عصيبة وحرجة
وفجأة تصل ام روان تحمل روان بين يديها في نفسي عمر اختي الصغيرة تقريبا ,, وترضعهما معا واستمرت على هذه الحال ما يقارب الشهر إلى أن تعافت أمي تماما
دخلت أم روان بيتنا وأرضعت وخرجت ـ قدمت معروفا ـ وآخت بين الصغيرتين
لبثنا بعدها ما يقارب السنة على علاقة بتلك الأسرة الكريمة , حتى توفي والدي , اضمحلت العلاقة قليلا ثم تلاشت بعد ان ابتعدوا قليلا في السكن
علمت فيما بعد وفاة أبو روان وتحمل عصام الابن الوحيد له مسؤولية البيت
واضمحلت العلاقة أكثر وأكثر حتى تلاشت ومضت إلى النسيان لولا الصدف التي جمعت ريم بروان في السنة الأولى بالجامعة فعادت العلاقة بين ريم وروان ولم تعد بين الأمين تقريبا
لم ترزق ريم بأخت وروان كذلك لم ترزق بشقيقة ولكن تلك الرضاعة القديمة وتلك الزمالة الدراسية صنعت منهما أكثر من أختين

ـ ألو ريم وينك أنا عند الباب .
ـ يالله جايه ...

ـ ماعليش نايف أبيك توديني لروان وبعدها تودينا للسوق محتاجين أغراض
ـ أنا كم عندي ريم بالدنيا ... بوديكي لوتبين سطح القمر المهم خالتي وعياالها راحوا
ـ إي الله يرجك وش فيك طلعت ؟
ـ والله ضقت ياريم انتي الوحيدة تفهميني في ها البيت .. قعدوا يتكلمون عن الزاواج ما الزواج كن مافي في الدنيا إلا نايف بيتزوج
ـ إي بالمناسبة بدور تسلم عليك ههههههه
ـ الله يسلمهاا والله إن البنت ذي طيبه
ـ المهم ريم وين عصام أخو روان ؟ ليش ما يوديها هو والا تبون تروحون مع بعض
ـ خبرك قديم .. عصام خلاص خذ زوجته وراح الخليج ألحين انتداب
ـ مساكين ألحين ريم وامها بس ... بالبيت !!؟
ـ عندهم خدامتهم تجيب الأغراض وعصام ما يقصر يرشهم فلوس تعرف رااتبه قوي
ـ يالله ريم دقي عليها تطلع نروح .
ـ ألوو , هلا يمه , كيف حالك , أنا والله طيبه الحمد لله , لا ما يمديني الله يخليكي , بس قولي لروان تطلع أنا بالسياره مع أخوي نايف بيودينا , يالله مع السلامه .
ـ تصدقين ريم آخر مره شفت فيها اختك روان قبل تقريبا عشرين سنه عمرها ذاك الوقت خمس شهور وعمري ذاك الوقت خمس أو ست سنين .
ـ إيه زماان
ـ شوفي ريم أتوقع ألحين انها تطلع ماليه ذاك الباب إلي تشوفينه ,, هههههههه اتخيلهاا سمينه مره
ـ بسم الله عليهاا هههههههه لا والله خاب ضنك بتشوفها الحين غزال تاخذ العقل.
ـ تعرفيني عليها ريم ؟.
ـ هآآآآ ؟ انت وش صار فيك نايف , رجه البنت تستحي من خيالها . لكن هي تتمنى تشوفك ولو مره أو تشوف أخوي سالم .
ـ من زين الخشة تشوفني ههههههههه
ـ شوفها هذي طلعت ,,,

مدت يدين صغيرتين وأغلقت باب مخرج البيت واقتربت من السيارة , بسرعة البرق اختلفت الصورة الذهنية التي رسمتها لها في ذهني قبل أن أراها , إنها فتاة في العشرين من عمرها , ناضجة نضوج الزهر , متناسقة البنية بشكل عجيب , رشيقة الجسم بشكل أعجب , محتشمة لا يرى إلا كفاها الأبيضان , وأطراف أصابعها اللامعة المتناسقة , وعينان لحظتني بهما بخفة ثم أعادتهما للأرض عندما مرت قرب نافذة سيارتي , أغلقت باب السيارة بعد أن جلست جانب أختي ريم في المقعد الخلفي للسيارة . وهمست بصوت خفيف لا يكاد أن يسمع كأنها أرادت اسماع اختي ريم فقط
ـ السلام عليكم .
ـ تبينت صوتها ورددت عليها بصوت مسموع : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته , ها مشينا يا ريم
ـ مشيناا

أدرت محرك السيارة وانطلقت , تسللت بعدها رائحة عطرها النسائي الرائعة إلى أنفي , أحجمت عن الكلام , وانبعثت همساتهما من المقعد الخلفي وضحكاتهما الخفيفة , كدت لا أفرق بين صوتيهما المتشابهين , وصرت أسترق السمع وأرخيه وأتظاهر بالإنشغال حتى لا ألفت انتباههما إلي , وبعد مجاهدة واستراق سمعت بعض الجمل المتقطعة :
ـ ها ريم وافق يودينا بدون إلحاح
ـ تصدقين هذي المره أول مره يوافق يوديني ويلزم علي هو
ـ ههههههه يمكن منحرج وده يطلع من البيت عشان ما يحرجونه خوالكم
ـ اكيد هذا هو السبب
ـ تصدقين ريم ؟ كنت اتوقع انكم مختلفين , لكن طلعتوا شبه بعض بالضبط .
ـ ههههههه أعوذ بالله أشبهه , أكيد أنا بنتحر الليلة .
ـ ههههههه وش فيه صدقيني ريم انكم شبه بعض . لما شفته قلت وش فيها ريم شخصت وساقت السيارة ههههههه
ـ تدرين روان وش قال عنك ؟ هههه قال انه يتخيلك متينه مره ما تقدرين تطلعين من باب البيت ههههه
ـ ههههه أعوذ بالله !!!
ـ شوفي ريم أنا مضطر أرجعكم للبيت , ألحين ما تونا تعدينا إشارتين إلا قمتوا تحشون فيني , الله يرجكم بنات أجل لو ما كنت أخوك ريم وش رااح تقولين انتي واختك .
ضحكتا بصوت خفيف , ثم اردفت ريم قائلة :
ـ لا نايف إلا الرجعة , الله يخليك خلاص ما رااح نكلم فيك , بنقلب الحش لوجه ثاني

أكملنا مسيرنا إلى ذلك السوق المراد وبعد ما يقارب الساعتين كنا في طريق العودة , وبعد أن أحسست بالإرهاق الشديد , أخرجت لفافة تبغ وأشعلتها وصرت أتلذذ بمذاقها , فانبعث صوت ريم من المقعد الخلفي :
ـ تكفى نايف طف الدخان ضايقتنا .
ـ ما بقى إلا كذا تتحكمني بنت صغيرة ,
ضحكت روان بصوت مسموع قليلا , قالت ريم :
ـ بنت صغيره !!! طيب بوريك نايف بس خلنا نوصل للبيت , اللي يسمعك يقول شايب تعدى الخمسين , ترى كل اللي بينا خمس سنوات بس .
ـ شوفي ريم , اكبر منك بيوم أعلم منك بسنة , واحسبيها انتي .
ـ نايف طفها تراك بتحرق بشرتنا , يعني ما ترضاها صح .
ضحكت بصوت عالي وقلت لريم :
ـ هههههههههااااي , اللي يسمعك ريم يقول اللي قاعدين معي بالسيارة نانسي عجرم واختهااا ههههههااااي
همست روان في أذن ريم بصوت خفيف : ـ أخوكي ذا وش شايف في نانسي , كل اللي تسويه مكياج , لو يشوف الصورة اللي وريتك إياها في جوالي حقت نانسي , عرف على طول انها عبده بس مكياج وسمكره , خليه ريم يدخن على راحته هههههههه
قالت ريم : ـ شوف نايف أنا بقعد اليوم عند روان نجرب ملابس شريناها من السوق وبعدين تمر علي بكره اوكي , حتى ودي أقابل ام رواان وحشتني كثير .
ـ خذي راحتك ريم , واذا تبيني اجي دقي علي اوكي , والحين قربنا جهزوا أغراضكم عشان تنزلون .

أوقفت السيارة عند باب بيت روان مباشرة , خرجتا من السيارة وتوجهتا لباب البيت , ثم التفتت ريم لروان وقالت :
ـ روان , اخذتي العلبة الصغيرة اللي فيها الخاتم اللي شفناه بالسيارة .
روان قالت : ـ ما أدري بس خليني أشوف عند السيارة لا يكون طاح بالأرض .

كنت لا أزال في نفس المكان الذي توقفت به , وريم وصلت للباب , وروان رجعت خطوات قليلة , ونظرت إلى الأرض تحت السيارة علها تجد العلبة التي أضاعتها , اقتربت قليلا من السيارة , وفي حركة سريعة , أزاحت الغطاء عن وجهها كأنها تريد التحقق من وجود تلك العلبة أم لا , ثم رفعت عينيها إلي وابتسمت بخجل وأعادت الغطاء ثم توجهت لريم قائلة :
ـ تذكرت أنا حطيت العلبه في الكيس اللي معاكي .

ثم غابتا داخل البيت , وأنا لا أزال متجمدا في مكاني !! ,أيعقل أن تكون روان التي كانت تجلس خلفي في السيارة بهذا الجمال الأخاذ ؟ أيعقل أن تكون فاتنة عصرها خلفي في السيارة وأنا لا أعرف , وقبل كل ذلك أهذا المنظر الساحر الذي لمحته سريعا حقيقة أم خيال ؟ وهل هذه هي روان حقا ؟ وكيف لا ! كيف سيتشكل فوق ذلك الجسم الصغير الناعم المتناسق وجه بشع !, الجسم المتناسق تكون قسمات وجه صاحبه متناسقة والعكس بالعكس , ولكن هنا ارتفعت قسمات وجه روان عن التناسق وسبحت في بحر الجمال , وحلقت في سماء الفتنة ’ وشكل الخالق منها تحفة فنية وفتنة تمشي على الأرض , بشرة ناعمة بيضاء كالثلج , وعينان ظهرت فتنتهما مع ظهور ما جاورهما من الحواجب والرموش , وأنف صغير محمر تشكلت تحته شفتان صغيرتان ابتسمتا لي بخجل , ما هذا ؟ ماذا أصابني ؟ وماذا أصابها ؟ لا زال الدم متجمدا في عروقي , غالبت نفسي وأدرت محرك السيارة وتحركت بعيدا , وأنا أعالج المنظر في نفسي وذاكرتي , ما الذي أصابني أهو خوف ؟ أم اضطراب وسيزول ؟ أم حب ؟ أم ماذا ... لا كل هذه التساؤلات خاطئة , كيف يصيبني خوف من ذلك الكائن الرقيق ؟ أو كيف يصل بي الحد للاضطراب من تلك النظرة البريئة ؟ أو كيف يكون حبا من نظرة سريعة كهذه ؟ لا أعرف تفسيرا لما أصابني , ولكن أعرف أني لم أنم تلك الليلة من شدة التفكير في لا شيء , أسترجع صورتها فلا يأتي على خاطري إلا صورة شيء جميل فقط ولكن لو لقيتها أو لو رأيت صورتها ما عرفتها , أفكر في موقفها , لمذا فعلت ذلك ؟ هل كان ذلك عفوا من غير قصد منها ؟ أم أنها كانت تقصد ؟ وإذا كانت تقصد فما هو غرضها من إزاحة غطاء وجهها أمامي وتلك النظرة والإبتسامة الخجولة ,
أشياء كثيرة أجلتها في خاطري ولكن لم أصل إلى تحليل منطقي لأي شيء بل العكس كلما تعمقت في التفكير كثيرا كلما ضعت أكثر , وكلما تعمقت كلما طلبت نفسي رؤية ذلك الشيء الجميل مرة أخرى , بقيت ليلتي في فراشي أستمع لبعض الأغاني الرائعة وأفكر وأفكر وأفكر ...

في الجهة المقابلة استلقت روان على سرير غرفتها الوردية تستمع لبعض الأغاني الرومانسية وريم واقفة في شرفة البيت تستمتع ببعض الهواء العليل الذي جادت به تلك الليلة ، ما لبثت روان أن لحقت بها للشرفة ، كانت الساعة قد جاوزت الواحدة بعد منتصف الليل ، وريم وروان واقفتان في الشرفة صامتتان ، وقد لف الجو سكون رهيب ، ما لبثت ريم أن قطعت الصمت بقولها :
ـ روان وش رايك في جو الليلة .
ـ ممتع جدا تصدقين أول مره يجي الرياض جو زي كذا .
ـ روان أقولك شي بس أوعديني لا تزعلين .
ـ أنا أزعل ريم !!معقوله ,, قولي وش عندك ؟؟
ـ شوفي روان أنا ملاحظة عليكي الليلة انك منتي معنا أبد ، سارحة بفكرك بعيد .
ـ أبد يا ريم سلامتك مافيني أي شي , الظاهر ان النوم جاكي وبديتي تخربطين هههه.
ـ روان من جد , انتي الليله مو طبيعية أبد , في شي شاغلك ما أدري عصام فيه شي والا زوجته ؟ صارلك شي تكفين رروان قوليلي ؟؟
ـ بصراحة إي في شي , بس ألحين ما أقدر أقولك عليه , لأنه للحين ولا شي بس راح تعرفين ريم صدقيني .
ـ أوووه ، لا يكون حب والا كلام فاضي من ذا ؟؟
ـ حب , أعوذ بالله . لا ريم ماني قايلتلك شي ألحين , بقولك في الوقت المناسب , هذا إذا صار شي أصلا . بس تصدقيني ريم أنا سويت شي وندمت عليه . والله يجيب العواقب سليمه .
ـ بديتي تخوفيني , وشي سويتي ؟؟!!
ـ ههههه لا تخافين شي تافه جدا , على العموم خلينا ننام ألحين لا تقوم أمي تصفقنا ألحين ؟؟
ـ أوكي عرفتي تصرفيني يالخبيثه .

في عصر اليوم التالي كانت ريم جالسة معي في صالة بيتنا وبحركة خفيفة وسريعة استطعت أن أنتزع من جوالها رقم روان وقمت بحفظه وأنا أفكر فيما سيؤول إليه الأمر الذي عزمت على فعله وكيف سيتطور . وفعلا لم تشارف الساعة الحادية عشرة من تلك الليلة إلا وجوالي بيدي وكنت خارج المنزل بالسيارة وقمت بالاتصال على روان مرات عدة ولكنها لم تجب ضل هاتفها يردد نغماته وهي لا تلقي له بالا إلى أن قطعت الأمل من إجابتها وتوقفت عن الاتصال , وبعد جولة سريعة في شوارع الرياض عزمت على العودة إلى المنزل , وقلت في نفسي : سأجرب هذه المرة علها تجيب بعد هذا الإلحاح وفعلا لم يكد جوالها يرن إلا وقد أجابت بصوتها الناعم ,,
ـ ألووو
سرت رعشة شديدة خلال جسمي وكدت أغلق الهاتف لولا أن تمالكت نفسي وتشجعت وقلت :
ـ ألووو , السلام عليكم
ـ وعليكم السلام , نعم
ـ روان ما أدري لو أقولك إن اللي يكلمك ألحين شخص اسمه نايف يبي يكلمك شوي تسكرين الخط بوجهه ؟؟
ـ انت نايف أخو ريم , صح ؟
ـ صح . نايف أخو ريم , يبي يسألك سؤال واحد إذا راح تجاوبيه عليه بصراحة .
ـ شف نايف , لو كان واحد غيرك على الخط ألحين كنت سكرت من زمان , بس أعرفك رجال محترم , إذا كنت تبي تأذيني تكفى سكر من ألحين , وإذا كنت تبي شي تفضل قول وش تبي .
ـ شوفي روان بصراحة أنا أبي أسألك سؤال واحد محيرني من البارح وما قدرت أنام , الحركة إلي سويتيها أمس ليش ؟؟؟
ـ ما كان قصدي , وكنت دارية إنك بتتصل صدقني . كنت بس أشوف الشي اللي ضيعناه .
ـ شوفي ما كان قصدي هذي صعبه شوي , أنا داري إنك كنتي تقولين في نفسك وقتها : بوريه نانسي اللي قالها أحلى مني أو لا ,, بس بصراحة روان كان أختبارك صعب شوي وللحين أنا ما طلعت من الإمتحان , كأنك واقفه قدامي ألحين بذيك الضحكة , وأقولك بصراحة صعبه شوي إني أنساكي
ـ نايف , صدقني إني ندمت على ذيك الحركة , تكفى إنس الموضوع وسكر ألحين .
ـ شوفي أنسى هذي مستحيله بس على العموم شكلك تضايقتي مني بس ماراح أسكر لين أقولك : روان أنا من جد حبيتك
ـ وأنا ما حبيتك , نايف تذكر إنك خاطب بنت خالتك .
ـ خاطب !! إلي يسمعك يقول إنك طالعتيني يوم رحنا وخطبناها , روان الخطبة ذي اللي قلتي عليها مسوينها امي وخالتي قبل ما ننولد , بدور بنت خالتي على عيني وعلى راسي , بس الصراحة أنا ما أحس تجاهها بأي شعور , وصدقيني إن اللي حسيت فيه أمس لما وقفتي قدامي بس , ما عمري حسيته تجاه بدور , بدور قريبه وبنت خاله وبس أما الخطبة للحين أنا ما أعترف فيها , فهمتي .
ـ شوي شوي نايف حرام البنت تضيع منك , أنا شفتها مره , ويمكن إنك أنت شفتها , والله البنت حلوه وتنشرا
ـ إذا كانت هي حلوه وتنشرا , فإنتي أحلى وأجمل وتنشرين بالروح , شوفي روان يمكن إن الصدفة ذي إلي جمعتنا مع بعض تكون سبب سعادتنا في ها الدنيا الله يخليكي روان افهميني
ـ أقولك بصراحة نايف ,,, أنا أفكر بواحد ثاني رجاء اصرف نظر من ألحين والله يخليك انس الموضوع وانس المكالمة ذي , وخلك مع بدور لا تدور لغيرها نصيحة أما أنا مثل ما قلتلك أفكر بواحد ثاني .
ـ هذا آخر كلام عندك روان ؟؟؟
ـ إي هذا آخر كلام , وتكفى لا تتصل مره ثانية .
ـ أوكي روان الله يوفقك إذا كنتي تفكرين بواحد ثاني والله ما أبي إلا سعادتك . باااي روان .
ـ مع السلامة.

في فناء دارنا أوقفت سيارتي وألقيت برأسي على المقعد متأملا في سقف السيارة مفكرا في الأمر , ياترى هل صدقت روان بزعمها أنها تحب إنسانا آخر ؟ , وماذا تقول هي في نفسها الآن ؟ ربما هي تتضاحك من غباء هذا الإنسان !! وكيف سيدخل دنيتها بعد سنوات من خطبة ابنة خالته , التي اشتهرت بين الناس حتى كأن الجميع هو من قام بهذه الخطبة التي هي في الواقع كلام في كلام صدقته تلك البنت وصدقه أهلي وصرت أنا مجبور على ذلك , حقا إن تلك الخطبة بدأت تزعجني وتضايقني الآن خصوصا وأنا خالي المشاعر تجاه بدور بل ومتبلد المشاعر تجاهها في بعض الأحيان , وتراءت لي فجأة صورة روان الفاتنة بضحكتها الخجولة التي وجدت نفسي بين عشية وضحاها قد غرقت في حبها وعشقها من رأسي إلى أخمص قدماي .

بدورها تقلبت روان في سريرها بعد أن أغلقت الخط , وأمسكت هاتفها بيد مرتعشة وأطالت النظر فيه ثم ألقته جانبا واحتضنت وسادتها التي تبثها شكواها دائما وتشاطرها فرحتها أحيانا , وجعلت تسألها , هل هو صادق في حبه ؟ وهل يعقل أن تكون المصادفة جمعتنا في يوم واحد فأحببنا بعضنا ؟ هل وقع في قلبه مثل ما وقع في قلبي أم هي مراهقة شاب رأى مسحة من جمال فصار يتعشق ويتلاعب ثم ينصرف بعد أيام ويغيب ؟ لقد أحببته من أول نظرة وعشقته من الثانية ولما أصبحت خلفه في السيارة همت في حبه حتى وددت أهجم عليه وأعانقه بعنف !!! هل هذا يعقل ؟ هل هذا هو ما يحصل لفتاة في نفس عمري رأت شابا جميلا كنايف , لا ليس الرؤية فقط فكلام أخته ريم عنه في كل المناسبات دل قلبي عليه قبل أن أراه ,, ولما رأيته توغل ذلك المفهوم في أعماق قلبي وتشكل وصار حبا ,, يا لسوء حظي كيف تكون في حياته فتاة أخرى ,,, ولكن ما اقتطفته من كلام اخته ريم سابقا وكلامه قبل لحظات يدل بكل المقاييس على أنه لا يحبها ولا يريد الارتباط بها بل هي غلطة ارتكبها أهله في حقه ,, ولكن ما ذنب بدور التي أحبته وكيف سأواجهها أو أواجه أمها أو أم نايف لو علم أحدهم أني أحب نايف وهو يحبني ,, الأفضل لي ولنايف أن نبتعد عن هذا الهراء فنحن لم نخلق لبعض وسأصبر وسأصمت وسأكتم حبي له ما حييت , وسأحاول من الآن إن أعاد الكرة أن أتجاهله حتى يمل ويصرف نظره عني وسأظل بعيدة أواري وأخفي ما في قلبي من حب لذلك الإنسان .

مر أسبوعان تماما وعادت ريم وروان إلى مقاعد الدراسة الجامعية , وكنت قد إلتحقت لتوي بإحدى المدارس الحكومية معلما , وصرت أتابع ريم عن كثب وأحاول أن أنتزع منها بدون أن تشعر بعض المعلومات عن روان وهل هي تحب أو تفكر في أحد آخر كما قالت لي في تلك المكالمة , ولكن كل محاولاتي باءت بالفشل , حاولت أن أتصل بروان وكل محاولاتي باءت بالفشل , ثم عزمت بعدها أن أكتب لروان رسالة أدع لها الخيار بعد ذلك , وفعلا كتبت لها الرسالة , ولكن كيف سأوصلها لها وكيف سأجعلها تقرأها رغما عنها ,, واهتديت أخيرا إلى حيلة طريفة , ذلك أني جعلت الرسالة في الدرج الداخي من دفتر أختي ريم في صباح أحد الأيام واثقا من أن أختي ريم لا تحمل الدفتر أصلا إلا لمنظره وأنها لا تكتب فيه إلا ذكريات مع زميلاتها ومع روان , أما المحاضرات الملقاة عليها فمن المستحيل أن تكتبها وهي من أعرف ,, إذن هذا هو المكان الآمن لإيصال الرسالة لروان أختها وزميلتها في نفس القاعة , ولم أنس فقد أرسلت رسالة نصية قصيرة لروان على جهازها تقول : ( إذا ودك ما ننفضح فكي دفتر ريم وشوفي الدرج الداخلي بتلاقين فيه هدية عشانك ... نايف )
فتحت روان عينيها في الصباح وقرأت تلك الرسالة وأصابتها الدهشة , فكرت قليلا ثم ضحكت وقالت في نفسها : الله يرجك يا نايف ناوي تفضحنا , وبسرعة البرق ارتدت ملابسها وذهبت للجامعة ودخت القاعة متوجهة لدفتر ريم التي كانت تتحدث مع بعض زميلاتها عن فيلم البارحة , فتحت روان الدفتر ارتعش جسدها عندما عرفت أنها رسالة من نايف , وبسرعة البرق أخفتها في حقيبتها , مرت عليها المحاضرات طويلة جداً فهي تريد بأسرع وقت أن تعرف مضمون الرسالة هل هي رسالة غرامية أم عتابية على تجاهلهي لمكالماته المتعددة ,, لم تصدق نفسها أنها أمام بيتها الآن دخلت البيت وقبلت أمها واعتذرت لها عن الغداء متعللة بتعب اليوم الشاق ومحاضراته الطويلة وأسرعت لغرفتها وأغلقتها وغاصت في فراشها وفضت الرسالة وقرأت :
( عزيزتي روان , السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فكرت في هذه الرسالة كثيرا قبل أن أقدم على هذه الجريمة , ولكن جريمة ترعاها عينا فاتنة عصرها تهون وتسهل وتتحول لحق واجب إبداؤه رضي من رضي وسخط من سخط ...
فكرت أيضا في كتابة الرسالة في جوالي وإرسالها لكي كرسالة وسائط وتراجعت مقتنعا بأن الرسالة الكتابية أبلغ في التعبير , وأن الحبر الذي يشكل الحروف ينقل مع الحروف مشاعركاتبها كما هي , وأن الخط المعوج المتموج ألذ وأنقى إن تحركت به شفتان ورديتان شكلهما الخالق تحت أنف متناسق حوله خدود لن أوفي وصفهم إن وصفت ...
عزيزتي ,,, كتب هذه الحروف نايف شخص هام في حبك ,, وعرف نفسه يوم رآك ,, ودخل دنيته يوم لقآك ,, فارحمي صبا عاشقا ارحميه ...
لماذا تخافين من الحب ؟؟ لمذا تهربين من العشق ؟؟
مهما هربتي ومهما خفتي ,,, ومهما ابتعدتي سيتسلل يوما ما من تحت باب غرفتك ضيف عزيز يقال له الحب ,,, ربما لن تجدي وقتها من يبادلكي نفس الشعور ,,, وستظلين تكتوين ,, تكتوين إلى مالا نهاية ...
عزيزتي روان ,,, لا أدري ماذا أقول ولكن اعلمي أنكي حللتي كل مكان في دنياي رغما عنكي وعني ,, ساقت يد القدر الصدفة فجمعتنا ,,, فيا ليتها تجمعنا تجمعنا ...
إليكي يا روان ,,, كنت أحسب نفسي قويا , الرأي لي , والقبول لي , والرفض لي , وزدت في القوة حتى يخيل إلي في كل يوم أن قوتي تزداد أرطالا ,, فجاء ذلك اليوم وصادفت تلك الإنسانة فقلبت تلك القوة بنظرة واحدة إلى ضعف بين ,, وقلبت تلك العزة والأنفة لخضوع ظاهر واظح ,, حتى هممت في ساعتها عندما وقفت تلك الإنسانة أمامي أن أقبل الثرى تحت قدميها ذلا وخضوعا ..
إليكي يا فاتنة ,, سيظل حبك في دمي يجري ,, وستظلين ملكة على عرش فؤادي ,, إن اجتمعنا أم لم نجتمع ,,
باختصار ,, ستظلين في قلبي وحدكي إلى أن أوارى في تربتي ..
ولكي الحكم الأبدي على هذا الإنسان إما نعيش سويا ... أو للأسف سأعيش وحدي مع ذكراكي الجميلة حتى القبر ... )

انحدرت دمعتان صافيتان من عيني روان على خدها عندما وصلت إلى نهاية الرسالة , وضمت الرسالة بين يديها وقبلتها وضمتها إلى صدرها ثم وضعتها في المنضدة المجاورة ,, ثم رجعت إلى سريرها وألقت بنفسها عليه , وغطت نفسها ببطانيتها واحتضنت وسادتها وأجهشت بالبكاء , وهي تخاطب وسادتها التي تشاطرها همومها وتقول لها : وأنا أحبه بل لقد أحببته قبل أن يراني وأراه ولكن ما العمل ؟؟ سأقبل الثرى تحت قدمي أي إنسان يجمعني بنايف ,,, ولكن ما الحل الآن أأخبره أم أكتم ,, إن أخبرته سيتعب وأتعب ,, سأسبب له مشاكل لا تحصى مع أهله وأقاربه ,, وإن تركته وتجاهلته وكتمت حبه في صدري سأعذبه ,, ما الحل ؟؟ يا رب أنت تعلم ما بيني وبينه ,, اجمعني به يارب في دنيتي ,,, وإن لم ترد فاجمعني به في جناتك يا أرحم الراحمين ...

بعد أن تأكدت أن الرسالة وصلتها انتظرت وعزمت على ألا أبدي أي موقف بعد تلك الرسالة ,,, ولكن قلبي سابق عقلي وقام بتحريك يدي في منتصف الليل واتصلت بروان
ـ ألوو
ـ السلام عليكم
ـ وعليكم السلام هلا نايف
ـ كيف حالك روان انشالله بخير
ـ الحمد لله وانت نايف كيفك وكيف ريم ؟
ـ بخير ما دامك بخير روان
ـ تسلم ...
ـ روان أنا اتصلت بس أسأل الرسالة وصلت أو لا ؟؟؟
ـ أية رسالة !!!؟
ـ روان تكفين لا تلعبين بأعصابي اللي فيني كافيني ، الرسالة اللي حطيتها في دفتر ريم وصلت ؟؟؟
ـ شفت رسالتك النصية ، بس ما دورت في دفتر ريم .
ـ روان من جدك انتي ؟؟!! انا دورت في دفتر ريم بعد ما رجعت ما لقيت الرسالة
ـ هههههه يمكن واحده من البنات أخذتها ,,, وش دراك يمكن تطلع البنت اللي أخذتها حلوه ومن هنا تتزوجها ههههههههههه
ـ وأنا قاعد أكتب رسايل أنا ووجهي ,, بس خلاص روان راح أكتبها لكي رسالة وسائط وارسلها بعد شوي
ـ لا لا خلاص تكفى نايف إذا كنت تعزني لا ترسلها ما ابيها
ـ أعزك إيه أعزك ,,, بس انتي إذا كنتي تعزيني قوليلي ليه ما تبين رسايل مني ليه ؟؟
ـ طيب وإذا قلتلك ( ما أعزك ) بتزعل وتسكر الخط بوجهي صح ؟؟
ـ تدرين إن آخر واحد قالي الكلمه ذي وين ؟؟ بمقبرة أم الحمام إذا كنتي تعرفينها .
ـ ههههههههههاي
ـ خلاص روان ماني بمحرجك ولاني بمرسل لك رسايل ,, يكفيني اني سمعت صوتك ,,
ـ تسلم نايف ,, وأرجوك نايف شف دنيتك وانساني وانسى الموقف اللي سويته قدامك أرجوك
ـ اوكي روان مع السلامة
استغربت روان من نبرة صوته الحزينة عندما قال جملته الأخيرة هذه ؟؟ وقالت بعد أن أغلقت هاتفها : مسكين يانايف عذبتك معاي وظلمتك ,, بس وش أسوي غصب عني وعنك ,, ولم تلبث قليلا حتى وصلتها رسالة نصية على جوالها مضمونها ( قلتي شف دنيتك وانساني ,, وش اسوي اذا دنيتي ما ودها تشوفني ,, كيف أنسى دنيتي ,, قوليلي كيف ؟؟ وأنت دنيتي .. والمشكلة إذا كان غيري يتمتع بدنيتي ,, ويتلاعب فيها ,, حينها سأودع دنيتي لأنها ليست لي ... ) تقلبت روان في سريرها وغاصت في فراشها واحتضنت وسادتها كعادتها وأخذت تخاطبها قائلة لها : بل أنت يانايف دنيتي أنت أملي أنت حبي الأول والأخير ولكن ماذا أفعل ؟؟ إني أتعذب يانايف أكثر منك ,, والفرق بيننا انك تخبرني باحتراقك ,, أما أنا فسأبقى صامتة هكذا أحترق في داخي وسأبدي لك الجفاء إلى أن يشاء الله ,, لن أخون أهلك وأخيب ضنهم وأعكس وجهتهم التي أرادوها لك ,, ولن أحرق بدور وأمها وأوقد قلوبهم علي ,, سأبقى هكذا جبانة إلى أن يحكم القدر في هذا الحب الذي بيننا هذا الحب الذي أعرفه أنا ,, ولكنك يانايف لاتعرفه ...

ومرت أيام غير قليلة ,, وأنا على هذا المنوال ,, أحاول التقرب من روان ,, وكل مازدت في المحاولات زادت هي في البعد عني ,, حتى رضيت بالأمر الواقع ,, ورخضت للظروف وقطعت كل الاتصالات بها خوفا من إحراجها وصرت أعيش على أمل اللقاء بها ,, كنت في أحد الأيام أتجول في شوارع الرياض كعادتي وفاجأني اتصال من أختي ريم
ـ ألوو نايف
ـ هلا ريم وش فيكي إنتي تبكين !!؟؟
ـ نايف بسرعة الله يخليك أنا في بيت أختي روان ألحين وهي تعبانة مرة تكفى نايف ماأدري نحلقها والا لا
ـ ريم من جدك إنتي وش فيها ؟؟!!
ـ نايف تكفى بسرعة
ـ أوكي ريم جاي ألحين

بسرعة كبيرة توجهت إلى منزل روان كنت في طريقي كالمجنون ,,, ياترى مذا أصابها ؟؟ بكاء ريم قبل قليل كان مفزعا مما يدل على أن روان متعبة جدا ,, مذا لو أكون أنا سببا في ذلك ؟؟ ولكن مذا فعلت ؟؟ أنت شديد التوهم يانايف ,,, هاهو بيت روان ,, ـ ألوو ريم اطلعوا أنا عند الباب ألحين ,,
خرجت روان من الباب تتهادى بين أمها وأختي ريم ,, أوصلوها السيارة واستلقت في المقعد الخلفي ورأسها في حجر أمها ,, ونحن في الطريق كنت أراها بزاوية عيني تنتفض انتفاضا شديدا ,, وأسمعها تبكي وتتأوه بصوت منخفض ,, كانت ريم في المقعد بجانبي تبكي أيضا , وأم روان قد احتضنت رأس ابنتها وتتمتم بكلمات لا أسمع منها شيئا ,, ولأول مرة بحياتي أكون في مثل هذا الموقف , كان قلبي يتفطر ألما لهذا الفتاة المسكينة التي لم تنسها الآلام التي تقاسيها حيائها وعفتها ,, كانت تبكي بصوت منخفض حتى لا أسمع وكانت تسحب غطائها على وجهها وجسدها إذا انزاح ,, ولكن إلى الآن لم أعرف ما بها ؟
ـ ريم وش صار في أختك وش جاها ؟؟
ـ جاها ألم غريب وحاد في أسفل ظهرها فجأة وزاد عليها لين بغى يموتها بينا !!
ـ خالتي أم عاصم .
ـ نعم ياولدي
كانت هذه أول مرة أسمع فيها صوت هذه المرأة الطيبة .
ـ خالتي , المرض ذا جاها من قبل وإلا أول مره ألحين .
ـ لا ياولدي أول مره يجيها ألحين . ماعليش بتعبك معانا يانايف .
ـ ياخالتي تكفين لا أسمع ها الكلام هذا واجب ولازم نسويه ,, نرد لو شوي من اللي سويتوه معانا زمان .والألم بسيط إن شالله تفائلو خير
ـ هذا أقرب مستشفى وصلناه ,, انتظروني شوي في السيارة لين أجيب ممرضات وسرير

بعد أن نقلوها للطوارئ وعاينوا حالتها جائني الطبيب المسؤول عن المستشفى وأخذني جانبا عن الاستراحة التي كنت جالسا فيها وكانت يده مليئة بالأوراق, وقال :
ـ إنت نايف ولي أمر المريضة روان ؟؟.
ـ نعم
ـ وش تقربلك روان ؟
ـ بصراحة ,, ولي أمرها مسافر ألحين للخارج ,, وأنا جبتها هي وامها واختي .
ـ يعني ما تقربلك أبد .
ـ لا يادكتور بس أمها مرضعة أختي وهي صغيرة ,, يعني هم خوات ألحين ,, خير يادكتور وش السالفة
ـ شف يانايف المريضة ذي مصابة بفيروس مفاجئ وحاد في الكلى ,, وأنا كتبت التحويل باسمك للمستشفى التخصصي ,, ولازم توديها ألحين لأن كل تأخير فيه خطر على حياتها .
ـ لاحول ولا قوة إلا بالله ,, يعني الحالة خطيرة مرة يادكتور
ـ أكيد وعشان كذا قلتلك لازم توديها ألحين لأن كل سيارات إسعاف المستشفى موجهه لحالات خارجية ألحين ,, وأنا صرفت للمريضة مسكنات للألم بتخفف عليها شوي في طريقكم للتخصصي ,, ولازم تعطي خبر لولي أمرها بأسرع وقت الله يخليك .
ـ انشالله يادكتور ,, والله المعين ..
في الطريق استلقت روان بكل هدوء في حضن أمها ,, كنت أحس بالقلق الذي ينتابها وكأنني في جوف قلبها ,, كذلك كنت أحس بارتباك أم عاصم وريم ,, كان رأسي يدور في فلك بعيد ,, كنت أحس بما لاقاه وسيلاقيه من ألم ذلك الملاك النائم خلفي ,, هممت أن أكلمها وأخفف عنها قليلا ولكني تمالكت نفسي في اللحظة المناسبة ,, اختنقت عبرة في حلقي وتهادت دمعة خفية من عيني ولكني تصبرت قليلا وقطعت ذلك الصمت الرهيب بقولي :
ـ الدكتور قال لي الحالة بسيطة في الكلى , وعشان الأجهزة ماهي متوفرة عندهم حولنا للتخصصي ,, وعلى فكرة عاصم عنده خبر بالسالفة , ها ياريم ؟؟
ـ لا ماحد قاله ,, خذ رقمه يانايف إذا تبي تقوله
ـ أكيد بقوله
ولم يمض وقت طويل إلا وروان على سريرها في المستشفى التخصصي بالرياض ,بجانبها أختي وأمها ,, وبعد ساعات من الفحوصات الطبية الدقيقة , تم استدعائي لغرفة المدير الطبي المناوب ,, وهو طبيب سعودي متقدم في العمر والخبرة ,, قال لي بكل وضوح :
ـ شف ياولدي المريضة اللي جبتوها محتاجة لواحد يتبرع بـ ( كلية ) بأسرع وقت ممكن ولازم يجي ولي أمرها عشان يوقع على عملية نقل الكلى .
ـ لا حول ولا قوة إلا بالله , ولي أمرها أكيد على وصول لمطار الرياض إذا ما كان وصل , بس يادكتور حالتها خطيرة للدرجة ذي؟؟!!
ـ في الوقت الحالي حالتها خطيرة وألحين بننقلها للعناية , الفايروس أنهى وظيفة الكلى عندها , وشف ياولدي التبرع لازم يكون بأسرع وقت ممكن , وعملية التبرع إنشالله ناجحة للاثنين , بس المهم يجي التبرع بسرعة .

بعد وصول عصام وبعد أن أخبرته بكل ما حصل ,, وبعد مشاورات مع الأطباء ,, طلبوا منا عينات من دم من أراد التبرع لتحليلها سريعا ,,رأيت ريم وعصام وأمه تقدموا مباشرة ووجدت نفسي أنساق ورائهم إلى غرفة التحاليل ,, وتم سحب عينات من دمنا نحن الأربعة الموجودون في المستشفى ,, تبين بعد تحليلها أن من يصلح للتبرع لتوافق الأنسجة اثنان فقط من الأربعة ( نايف واخته ريم ) اجتمعنا الأربعة بعدها في ركن هادئ من أركان المستشفى :
عصام : شوف يانايف وإنتي ياريم ترى منتم مجبورين على كذا ,, وأنا سألت الدكتور وقال لي يمكن نشتري كلية من برا بس بتتأخر شوي ,, واحنا ألحين بننتظر لين تجي ما نبي واحد منكم ألحين على السرير مع روان تصير المصيبة مصيبتين ,, فهمتوا قصدي ,, والا وش رايك يمه
ـ أكيد يا عصام والأولاد ماقصروا جزاهم الله خير
ـ ريم : هذي أختي وزميلتي وصديقتي ماراح أتخلى عنها وأنا اللي راح أتبرع لها ,, بس يارب يوافقون في البيت ,, راح اتصل على سالم ألحين ..
ـ عصام : لا ياريم لا إنتي ولا نايف مثل ما قلت لكم
كنت سابحا في بحر من التفكير ,, كانت أصواتهم مجرد طنين يداعب أذني ,, لقد تداعى جسدي كله لمرض روان ,, قاطعت كلامهم فجأة بقولي :
ـ طيب تسمحوا لي أتكلم
ـ عصام : تفضل يانايف .
ـ شف ياعصام وانتي ياخالتي ,, المصيبة ذي مو مصيبتكم لحالكم وإذا ما وقفنا معاكم في موقف كذا صدقني ماراح نوقف معاكم في موقف ثاني ,, من بكره بإذن الله راح أكون في المستشفى وأتبرع لبنتكم روان بكلية ,, خلاص أنا عزمت وتوكلت على الله وأرجوكم لا تحاولون معي لأني ملزم ,, وأنت سمعت الدكتور ياعصام يقول في خطر على حياة المريضة إذا تأخر التبرع لأن ذلك معتمد على مدى تحمل جسمها للأجهزة ,, وصدقوني لو إنتظرنا راح ننتظر أكثر من الشهر اللي قال الدكتور إن تقريبا انتظارنا شهر
ـ ريم وهي تبكي : بس يانايف ..
ـ ياريم الله يهديكي تعتقدين إنهم بيوافقون في البيت وخاصة سالم أخونا وبعدين أنا راح أصبر وأتحمل أكثر منك ,, وما تدرين يمكن تبرعك ألحين يؤثر على حياتك قدام حياتك الزوجية ودراستك وكل شي .
ـ عصام : نايف تكفى فكر قبل كل شي ,, ترى العملية صعبة
رأيت الجميع مرتبك وحائر ,, وجدت روح الإقناع بالطرفة تتحرك في نفسي ,, خاصة بعد أن رأيت حزنهم وقلقهم ,, قلت لهم :
ـ أدري وبيشقون وسطي ويطلعون الكلية وفيها تعب ,, بس شوفوا على العموم ,, أنا خلاص كليتي ذي ما أبيها أحس إنها مثقله علي ,, وبكيفكم عاد إذا ما تبونها راح أتبرع فيها لأي مريض ثاني بالمستشفى .. وإذا مالقيت بحطها في ثلاجة بيتنا لين يجي اللي يبيها
ـ الجميع : ههههههههه
ـ طيب أقولكم خلونا نطلع حراج بن قاسم يمكن نحصل زبون .
ـ هههههههههه أم عصام : الله يطيب خاطرك ياولدي طمنتني على بنتي
ـ بس شوفي ياخالتي : لا تنسينا من الدعاء قبل وأثناء العملية .
ـ إنشالله ياولدي ,, بس شف أمك وأخوك الكبير قبل كل شي ولا تعصاهم .

تقرر موعد العملية في اليوم التالي على شرط أن آخذ راحة من العمل أربع وعشرون ساعة قبل العملية وفي طريقي وريم للبيت كان الجو هادئا ,, جلست ريم صامتة تكتم شيئا لم أعرفه إلا عندما أوقفت السيارة أمام البيت ,, فقد تناولت يدي وقبلتها وأسالت عليها نهرا من الدموع من أجلي وأجل روان فالمصيبة أمس أصبحت مصيبتان عندها اليوم ,,
ـ والله ماادري أبكي لمين لك والا لروان
ـ طيب مولازم تبكين أصلا ,, صدقيني ما صرف لنا الدكتور وصفة بكاء
ـ انت تعرف يانايف انك أقرب واحد لقلبي في ها البيت ,, والعالم كله ,, يعني ما أحس بنفسي إلا إذا كنت معاك ,, انت يانايف ما تستاهل اللي يجيك ,, وأنا أعرف روان أكثر من نفسها صدقني لو كانت صاحية ماكانت توافق
ـ أدري ياريم بس البنت مسكينة طايحة ألحين وكل ما تأخرنا تأخرت حالتها أكثر ,, إنتي ألحين أصبري وخليكي عاقلة واقنعي الوالدة الله يطول بعمرها لأنها تفهمك أكثر مني ,, وأنا علي أخوي سالم بقنعه إن شاء الله .
ـ طيب يانايف

بعد محاولات عديدة وطويلة مني ومن ريم وافق الجميع على م[لايمكن مشاهده الصور والروابط الا بعد التسجيل ] ,,خرجت قبيل فجر ذلك اليوم الذي تقرر فيه موعد ,, على غير هدى أجوب شوارع الرياض وطرقها حتى استقر بي الطواف إلى منطقة هادئة مظلمة مرتفعة قليلا شمال مدينة الرياض ,, تبدو من فوقها أضواء مدينة الرياض متلألأة ناصعة ,, أملت مقعدي إلى الخلف وفتحت النافذة ولفح نسيم الهواء البارد جبهتي الحارة فأصابني انتعاش عظيم ,, بحق لم أحس بجمال الرياض وجمال ذلك المكان بالتحديد إلا في تلك الليلة ,, تلك الليلة التي كنت فيها في موقف أسميته ( بين القلب والعقل ) فعلا فقد بدأ عقلي في التردد ولكن قلبي متقدم ومتحفز لتلك العملية ,, راجعت نفسي ,, وراجعت عقلي ,, وراجعت قلبي ,, نفسي تقول لي تحمل ما سيأتيك إذا من الألم والعذاب ,, وعقلي يقول لي ما هذا الجنون الذي جعلتني أفكر فيه لو تقدمت بمبلغ من المال تساعد به على شراء ذلك العضو الغالي من الخارج وأرحت نفسك من العذاب وحفظت أعضائك التي رزقك الله بها فهذا أفضل ,, وقلبي يحفزني ويقول لو صدقت في حبك الذي زعمت لما ترددت ولو لدقيقة في منح تلك الفتاة التي أحببتها عضوا من أعضائك تستطيع بدونه أن تعيش كما كنت تعيش ... فكرت طويلا ولم يقطع تلك الأفكار إلا صوت رنين جهازي الجوال وكان الاتصال من خالتي بدرية :
ـ ألوو نايف كيف حالك ؟؟
ـ هلا خالتي , الحمد لله بصحة وعافية , وانتي خالتي شلونك وشلون العيال؟
ـ كلنا تمام . أقول نايف ورى ماتمرني اليوم في الصباح أبيك .
ـ شوفي خالتي إذا كان بخصوص موضوع التبرع فأنا خلاص قررت ويالله أقنعت الوالدة وأخوي سالم
ـ نايف انت وش صار بعقلك ؟؟ انت مافكرت في مستقبلك وما فكرت في خطيبتك والا شلون,, انت تبي توزع نفسك تشليح ؟
ـ رجاء خالتي خلاص أنا قررت وبعدين صدقيني خالتي نفس القرار كنت راح اتخذه لو كنتي مكان ذيك المسكينة بالفراش
ـ المشكلة إنك عنيد وما تسوي إلا اللي تبيه أعرفك
ـ الحمد لله انك عرفتيني ,, أي خدمات أقدمها لك خالتي
ـ سلامتك وترى بدور تسلم عليك
ـ تسلمين انتي واياها ,, وقولي لأحمد لا يقاطعنا يحاول يزورني في المستشفى
ـ خلاص نايف بقول له .
أغلقت هاتفي الجوال ,, وتبعت قلبي الذي أوصلني للمستشفى التخصصي بالرياض وأنا على أتم الاستعداد لفداء تلك الإنسانة بكل أعضاء جسدي ,, وجدت عصام وأمه أمامي في المستشفى ,, كانت نظرات الشكر واضحة المعالم في تعابير وجهيهما ,, تمالكت نفسي قبل أن أطلب منهما رؤية روان قبل إجراء العملية ,, تبعت الطبيب المعالج بجرأة لم أعهدها في إلى الغرفة المعدة لي ,, وبعد أشعة وتحاليل وإجراءات طبية أغمضت عيناي ولم أفتحهما إلا بعد مرور أربع وعشرين ساعة وبالتحديد في صباح اليوم التالي .


الألم الذي فاجأني في أسفل ظهري أجبرني أن أفتح عيناي لأعود مجددا لدنيتي ,, رأيت ريم واقفة أمامي ,, حاولت تحريك لساني وشفتاي لأحدثها ولكني لم أستطع ,, اقتربت مني وهي تبتسم ,, كانت ابتسامتها تلك كفيلة بإعادة ما تبقى من روحي وتسكين الآلام التي أحس أنها ستمزق جسدي :
ـ الحمد لله يانايف قمت بالسلامة ,, ماتشوف شر حبيبي ,, خلاص ولا كلمة لاتتكلم ألحين ماتقدر ,, ألحين باعلم أمي وأخوي سالم وعصام وأمه يجون يشوفونك ,, هم في الصالة برا ,, بيجون الحين ,, وأبشرك ترى العملية نجحت مية المية ,, وروان بخير وهي في الغرفة الثانية ألحين .
تقدمت ريم مني وتناولت منديلا مسحت به وجهي ,, ثم انطلقت وأخبرت من كان بالصالة الخارجية ,, فجاءوا وكانت أمي في مقدمتهم يتهلل وجهها فرحا بنجاح العملية وتحسن حالتنا أنا وروان ,, تقدمت أم روان مني وقبلت رأسي وطمأنتني على صحتي وصحة بنتها ,, كنت أراهم جميعا وأسمعهم ولا أستطيع النطق بحرف أو حتى الإشارة لأحدهم ,, كان الألم يمزق جسدي كله ,,حتى دمعت عيناي من شدة الألم ,, نظرت إلى ريم نظرة طويلة فانتصبت واقفة أمامي ثم جلست بجانبي على السرير ,, من نظرتي فهمت أني أريد شيئا ولكن ما هو ؟؟ هذا ما حاولت معرفته مني ولكنها لم تستطع رغم كل الأسئلة التي وجهتها لي ,, ثم قامت باستدعاء الطبيب الذي سألني إن كنت تحس بالألم فأجبته بإيماءة خفيفة من رأسي ,, فأعطاني حقنة مسكنة لم أسمع بعدها إلا خلافهم حول من سيجلس لمرافقتنا في المستشفى ,, كلهم أراد ذلك ولكن ريم هي سيدة الموقف في هذه الحالات أبت إلا أن تكون هي ,, وهي لوحدها سترعانا نحن الاثنين لتجاور الغرفتين ,, فوافقوا لها جميعا .
لم ينتصف الليل إلا وقد أفقت من تلك الحقنة المهدئة ,, فتحت عيناي ولم أر ريم ,, كانت بجانب روان في الغرفة المجاورة ,, وماهي إلا لحظات حتى جاءت ريم لتلقي علي نظرة وتعود ,, عندما رأتني مستيقظا فرحت وتهلل وجهها الذي بدا عليه التعب والسهر واضحا ,, اقتربت مني وقالت :
ـ ها كيفك ألحين نايف .
رددت عليها بصوت متقطع شاحب يخرج من حلقي حرف ويغيب آخر
ـ الحمد لله ريم .
ـ نايف لا تتعب نفسك بالكلام .
ـ لا أنا الحمد لله أحسن ألحين ,, كيف روان ؟؟
ـ بخير صحيت اليوم العصر ,, تطالعنا بس ماتقدر تتكلم بعدين استدعيت لها الدكتور وأعطاها حقنه مثلك ورجعت لغيبوبة للحين نايمة ماصحيت .
ـ وش قال الدكتور ؟
ـ لا الدكتور طمنا وقال حالتكم انتوا الاثنين تتقدم للأحسن ,, وروان بالذات تتقدم للأحسن لأن العملية ماتأخرت ,, الله يعطيك العافية نايف ,, بصراحة أنقذت البنت ذي .
ـ ريم ,, تعبناك صح ,, انتبهي بس لروان ,, أنا بصرف نفسي ماعليكي
ـ الله يهديك نايف ,, وش التعب اللي تقوله ,, أنا أصلا ما قعدت إلا عشان الإجازة اللي بيعطوني للجامعة هههههههههه

برغم صغر سن ريم ,, ولكنها حقا كانت إنسانة عظيمة فقد تعبت ونصبت معنا في ذلك الوقت ,, ولو لم يكن منها إلا ابتسامتها عندما أراها لكفاها ذلك فهي تخفف عني الكثير بتلك الابتسامة ,, مرت أسبوعان وحالتي إلى الأفضل ,, أصبحت الآن أقوم وأقعد وآكل وأشرب وأتحدث وأضحك , أخبرني الطبيب بأني لن أستمر إلا أيام وسأخرج ,, نظرت بجانبي فإذا ريم كماهي جالسة على الكرسي بجانبي تبتسم وتنظر بفرح لتحسن حالتي ,, قالت ريم :
ـ الحمد لله نايف حالتك أحسن ألحين .
ـ يووه ياريم أحسن بكثير .
ـ تدري إني يوم العملية بكيت من يوم دخلوكم لين طلعتوا تقريبا عشر ساعات ,, أحس لو صار فيك شي وقتها إني باهدم المستشفى ذا على روسهم ,, بس الحمد لله
ـ ههههههه ريم عشر ساعات !!! وش شايلة انتي خزان دموع ,, المهم وشلون روان اليوم ؟؟
ـ لا الحمد لله أحسن توي طلعت من عندها قبل شوي ,,وهي نايمة ألحين ,, بس هي شكلها بتطول شوي في المستشفى عشان يطمنون على حالتها ,, بس أهم شي إن ألم العملية راح ,, اللي يشوفكم في الأسبوع الماضي يقول إن الألم ذا ما بيروح أبد ,, أنت تصارخ بس ,, أما روان ياويلي تبكي ليل ونهار ,,
ـ الله يكون بالعون ,, وألحين الألم يجيها والا وقف ؟؟
ـ ألم بسيط بس ,, تدري يانايف ,, روان مادرت إلا قبل يومين بالقصة كلها وإنك أنت اللي تبرعت لها بالكلية .
ـ وش كانت ردة فعلها ؟؟
ـ مافهمتها للحين ,, لما علمتها قالت : نايف !!! أخوكي !! قلت : إيه نايف , وهو اللي لزم على التبرع بسرعة لأن الدكتور مانصحنا بالتأخير , وهو اللي أقنعنا بأن أي كلية بنجيبها من برا المملكة نشتريها , يمكن تنقل مرض معاها والا شي زي كذا ,, قالت : ووينه نايف ألحين وكيف صحته ؟ قلت : في الغرفة اللي جنبنا يصيح يومين ويهدى يوم ,,
تصدق يانايف إنها ماقالت لي ولا كلمة بس غمضت عيونها وقالت تكفين ريم طفي النور أبي أنام ,, وكنت أسمعها طول الليل تبكي وأسألها وش فيكي أنادي الدكتور وتقول : لا ألم بسيط بس ,, صدقني يانايف إنه موألم ولا شي أنا أعرف روان كانت تبكي عشانك .
ـ إيه ياريم الله يكون بالعون ,, تبين تنامين ريم خذي راحتك خفضي النور ترا مانمتي من الصبح .
ـ إي والله يانايف بنام شوي على الكنبة ذي .
ـ خذي راحتك ,, بس قبل ماتنامين ريم أبي أنشدك عن شي ؟
ـ وشو ؟؟!!
ـ خالتي وعيالها من يوم دخلت المستشفى سألوا عني ؟؟ .
ـ تبي الصراحة ,, ما سأل منهم إلا أحمد بس ,, حتى هو جا بعد العملية وقتها كنت في غيبوبة من البنج ,, أما خالتي وبدور فالصراحة ماسألوا ,, بس إنت ليش تسأل !!
ـ بلا لقافة ريم ونامي ,,

بعدما نامت ريم استلقيت على سريري وسبحت في بحر من الأفكار ,, كنت أفكر في موقف خالتي وابنتها الآن ياترى بماذا تفكران ؟؟ هل سيقودهما تفكيرهما إلى أني مجرد متبرع أريد المساعدة ,, أم سيذهب تفكيرهما إلى أبعد من ذلك وهو وجود علاقة أخرى كالحب بين الاثنين الراقدين في المستشفى ؟ سبحت في بحر من الخيال ,, وبين تلك الأمواج تراءت لي الصورة الوحيدة في ذاكرتي لروان ,, ما أجملها من صورة يوم أزاحت غطاءها عن وجهها في ذلك اليوم ,, من ذلك الوقت عشقتها ,, وإلى الآن أعشقها ,, دفعتني نفسي لأن أراها مرة أخرى ولكن هل أستطيع ؟! ,, قادتني رجلي رغما عني إلى باب غرفتها ,, وتحركت يدي بخفة وهدوء إلى مقبض الباب ,, حاولت منعهما لم أستطع ,, فتحت الباب بهدوء ,, كانت مستلقية على ظهرها نائمة ,, تتغطى ببطانية تخفي جسدها كله ,, لم يبد منه إلى وجهها ويدها الملقاة على صدرها ,, اقتربت منها بهدوء وتأملتها ,, حقا إن الخالق سبحانه أبدع في تصويرها ,, ارتعش جسدي كله ,, تعجبت كيف تمتد يد الطبيب لتمزق ذلك الجسد الناعم ,, سحبتني رجلاي حتى وقفت بجانبها ,, كلما اقتربت زاد جمالها وظهرت فتنتها ,, انحنيت بكل هدوء وطبعت قبلة الوفاء والحب والعشق على ظهر يدها الملقاة ,, وتسللت خارجا بعد أن تيقنت أن عيناي لن تشبع وترتوي ولو قضيت العمر كله في تأملها .

لم يمض أسبوعان من تلك الليلة إلا وعاد كل شيء كما كان ,, عادت ريم وروان لمقاعد الدراسة في الجامعة ,, وعدت لعملي في التعليم ,, لم تتطور علاقتي بروان أبدا فلم أحاول الاتصال بها كنت خائفا أن تواجهني بالصد والإعراض كما فعلت من قبل ,, إلى أن جائت تلك الليلة حيث وصلتني رسالة منها على هاتفي تقول :
( لن أقول أخي فغلاك جاوز الأخوة ,, ولن أقول حبيبي فأنت تجاوزت الأحبة ,, ولن أقول عزيزي فأنت أعز من رأيت ,, ولكني سأقول نايف أتلذذ بها بدون لقب ولا صفة ,, لأنك وصلت أعماق القلب واحتويته .
نايف ,, لن أجد ما أعبر لك به ,, لأن كلمات الدنيا كلها لو جمعتها لا توفيك حقك ,, ولكني فكرت واختصرت الطريق ووجت حلا وثمنا ربما سيوفيك بعض حقك ,, سأمنحك نفسي وروحي هدية لك إن قبلتها ,, ولكني سأقول لك قبل أن نبدأ مشوار الحب ,, لابد أن تسدد الدين الذي عليك لي ,, تحياتي ... روان )
إرتعش هاتفي في يدي قبل أن يرتعش سائر جسدي ,, تأكدت قبل كل شيء هل أنا أحلم أم هذا هو الواقع !!؟ إذا فروان تبادلني نفس الشعور ,, فكرت قليلا هل أتصل بها أم أرسل لها رسالة ,, لكن يدي سبقتني وكتبت هذه الرسالة ( أميرتي روان ,, أهلا وسهلا بك ملكة تتربع بخيلاء على عرش قلبي ,, أهلا بطيفك الذي يشاطرني هذا الليل الجميل ,, أميرتي : لقد دفعتي ثمنا باهضا ومهرا غاليا جدا لا أطيقه ,, فنفس روان وروحها لن تتشكل في قالب آخر إلا في هذا الجسم الملائكي الذي يسمى بروان ,, بحق لقد أحببتك وعشقتك وكنت عازما على الكتمان ,, أما الآن وقد طلبتي الحب فلا أستطيع إلا أن أكون عبدا لهذا الحب عبد أنت سيدته ,, سامحيني سأكون متطفلا وأتصل بعد قليل )
بعثت الرسالة وبعد دقائق قمت بالاتصال عليها :
ـ ألو روان ، مساء الخير
ـ هلا نايف مساء النور
ـ كيفك روان طيبه ,, صدقيني إني صرت أسعد إنسان برسالتك إللي قبل شوي
ـ تسلم نايف ,, من جد إنك تنحب نايف .
ـ روان شوي شوي علي , إنتي روان تقولين كذا معقولة !! بصراحة ماني مصدق نفسي
ـ وأقول أكثر من كذا ,, صدقني حبيبي إني من زمان ودي أتكلم معك بصراحة كذا بس ما قدرت
ـ وش اللي كان مانعك ؟!! ,,
ـ أشياء كثيرة راح أقولك عليها في الوقت المناسب , المهم نايف إنت ألحين كيفك من ذيك العملية ؟
ـ اووه تمام ,, وانتي ؟؟
ـ في أحسن حالاتي , الحمد لله .
ـ طيب ممكن أسألك سؤال روان ؟
ـ آمر.
ـ تاثقين فيني روان والا للحين متخوفة مني ؟؟
ـ ليت كل الناس مثلك نايف ,, لعلمك نايف إنك ألحين أكثر واحد بالدنيا أثق فيه وأحبه .
ـ شكرا روان , طيب روان أقدر أقابلك ؟؟؟.
ـ شوف نايف أنا اللي بسألك أقدر أقابلك والا لا !!؟ .
ـ طيب روان , شوفي أقرب فرصه تناسبك وعلميني ,, بالوقت والمكان .
ـ خلاص نايف , حتى عندي كلام كثير أبي أقوله لك , بس بأخليه لما نتقابل .
ـ أوكي حبيبتي , بس على فكره وشو الدين اللي قلتيه في الرسالة ؟
ـ هههههه لا هذا شي بقولك بعدين حبيبي ماهو وقته ألحين . بااااي
ـ بااااي

كانت تلك الليلة أسعد الليالي التي مرت بي من قبل ,, لم أتمالك نفسي أدرت جهاز التسجيل واستمعت لمقاطع رائعة للفنان محمد عبده وطلال مداح ,, مقاطع كنت أسمعها من قبل ولكني لم أدخل أجواءها إلا في تلك الليلة ,, لم أفهم معنى ( بنت النور) إلا في تلك الليلة مع أني أحفظها عن ظهر قلب ,, والكثير الكثير من المقاطع التي تبين لي بعد أن سمعتها أني كنت أعيش خواء بدون قلب قبل أن أعرف تلك الفاتنة ,, سبحت في بحر من الخيالات لم يقطعها إلا صوت جهازي الجوال يرن :
ـ هلا ريم وش تبين !!
ـ نايف تكفى قصر المسجل شوي ,, أذيتنا .
ـ ههههههه ريم نمتي والا باقي ؟
ـ كل أهل البيت ناموا ,, وأنا بغيت أنام بس مسجلك كنه في راسي .
ـ أجل تعالي ريم أبيك شوي .
ـ ضروري يعني ؟؟
ـ أجل أنا أمزح مع أختي الحبيبة ريم ,, تعالي بس
ـ أوكي أمري لله بجي .
معرفتي وخبرتي بريم تجعلني أخبرها لأنها إن استساغت الموضوع ستجمع الشتات وتقرب الأحباب ,, وإن كان العكس ستصمت وتراقب ,, هكذا فكرت وهكذا قررت .
ـ ها نايف وش تبي .
ـ بس حبيت أقولك تصبحين على خير قبل ما تنامين .
ـ نايف تدري لو أقربلك إني راح أفتح العملية اللي سووها في المستشفى .
ـ هههههاي ماهمني , لانك إنتي اللي بتتعبي ترافقين وتزورين ..
ـ بذمتك نايف جايبني من غرفتي عشان تقولي تصبحين على خير !!
ـ لا ريم سكري الباب وتعالي اقعدي عندي موضوع بقولك عليه .
ـ ها وهذي قعده , وشكلي الليلة ما بنام , وش عندك نايف .
ـ ريم بحاول أخش بالموضوع على طول حاولي تفهميني الله يخليكي ,, انتي الوحيده بها البيت اللي أقدر أقولها ها الكلام .
ـ بالله نايف وش عندك ,, أكيد مسوي شي أعرفك أنا .
ـ شوفي ريم ,, أنا بصراحة حبيت أختك روان ,, وهي الوحيدة من بين بنات الدنيا ذي اللي عاجبتني ,, يعني لا بدور ولا غيرها تجيب اصبع واحده من أصابع روان ,, باستثناء اختي ريم الحبوبة اللي أنا قاعد أكلمها ألحين .
في أول الأمر تفاجأت ريم من هذا الأمر ولكنها كعادتها عادت لهدوئها المعهود وقالت :
ـ وإنت متى شفتها وإلا حتى كلمتها ,, أكيد بعد العملية صح
ـ أقولك بالصراحة ريم أنا أحبها من قبل العملية بشهور وكلمتها وعطيتها رسايل وانتي اللي وصلتيها هههههههه
ـ أناااا ( بصوت عالي )
ـ إيه في دفترك حق المحاضرات , بس الصراحة روان ما عطتني وجه
ـ أحسن , بس إنت قلي متى شفتها !!؟
ـ تذكرين يوم وصلتكم للسوق ,, شفتها ذاك اليوم وتفاجأت من جمالها بصراحة , بعدين خذيت رقمها من جوالك ودقيت عليها وارسلت رسايل وهي مطنشة وما عطتني وجه ,, ويوم صار اللي صار بصراحة ماقدرت أشوفها بها الحالة ,, قلتلك حبيتها والله لو طلبوا تبرع بالقلب لأتبرع وأنا مغمض ,, وشفتها للمرة الثانية في المستشفى وكانت نايمة يعني لا مكياج ولا شي ومع هذا كله كانت تهبل ,, والليلة هي كلمتني وبادلتني نفس الشعور ,, ها ريم وش رايك إنتي معاي والا ضدي .
ـ ألحين فهمت يانايف أشياء كثير كنت أستغربها منك ومن روان الله يرجكم انتو الاثنين ,, وش اقولك يانايف روان زي ماقلت حلوه وكل البنات بالجامعة حاسدينها على جمالها اللي ربنا مكرمها فيه ,, وما ألومك يانايف إذا كنت شفتها وحبيتها روان تنحب ,, بس انت فكرت في بدور وخالتك وامي .
ـ شوفي ريم أنا اللي همني أمي , بس بأقنعها بعدين ,, وخالتي وبدور الله مكرمهم بحوش ها الكبر يعني يطقون راسهم وين ما يبون , بس إنتي ساعديني ريم تكفين روان ما تثق إلا فيك .
ـ أمري لله صدقني يانايف إني أكون أسعد إنسانة بالدنيا لو أشوفك إنت وروان عرسان ,, شوف نايف بزور روان بكره وبحاول أشوف هي وش تفكر فيه .
في الليلة التالية وبعد أن تجاوزت الساعة الواحدة ليلا كانت ريم وروان في الشرفة الهادئة في غرفة روان :
ـ روان إنتي ماودك تقوليلي شي .
ـ إلا ودي أقولك إنك رجيتي راسي من الليلة سوالف ما تخلص , يعني ماخليتينا ننام .
ـ شوفي روان نايف قال لي على كل شي .
ـ نايف !!! وش قال ؟
ـ إذا قلت لك تقوليلي كل شي بقلبك
ـ إيه إيه , بس بسرعة وش قال .
ـ امسكي نفسك شوي لا تطيرين ,, انتي ماصدقتي جبتلك طاري نايف ,, كل اللي قاله إنه يحبك وإنك أجمل إنسانه شافها بحياته , ويوم تبرع لك كان مستعد يتبرع حتى بحياته بس تعيشين إنتي ,, وإنكم كنتم تستغفلوني وتتبادلون الرسايل بدفتري ,, أثركم تحبون بعض وما قلتولي .
ـ سامحيني ريم والله كنت بقولك ,, أنا بصراحة فكرت بنايف قبل ما أشوفه من كلامك عنه ,, ويوم شفته حبيته ,, نايف أخوكي ينحب من أول نظره والا ؟
ـ أكيد ,, هذا نايف وسامة ورجه وسوالف وقلبه طيب ,, أكيد أي بنت بتتعلق فيه .
ـ بس أنا تعلقت فيه لدرجة الجنون وكنت من أول أطنشه وأحاول أتجاهله والا هو ما يقصر اتصالات ورسايل ,, كنت أتجاهله بس عشان بدور وخالتكم ,, ماودي أخرب ,, ولكن يوم ماقلتيلي إن نايف تبرع لي بصراحة حسيت إننا إحنا الاثنين مخلوقين لبعض ,, وألحين خلاص قررت إني أرتبط بنايف إذا ربنا وفق .
ـ بصراحة روان أنا ما ادري وش أقولك ,,
ـ لا تقولين شي لأنك مهما تقولين ماراح يزيد أو ينقص من غلاي لنايف ,, بس أبي منك خدمة إذا بتسوينها لي ؟
ـ وشهي ؟ تدللي حبيبتي روان أحد يقدر عليكي ألحين .
ـ تذكرين العرس اللي عزمتنا عليه دلال ,, يوم الأربعاء الجاي ,, أكيد بيوديكي نايف ؟
ـ إيه , ومن غيره .
ـ أجل إذا تسمحين لي ريم باطلع مع نايف نفس الليلة عندي له كلام كثير ودي أقوله ,, يوصلك القصر وبروح معاه , وبعدين نرجع ناخذك ,, وش رايك توافقين .
ـ وأنا وش دخلني أوافق والا لا يعني بتطيعوني ؟
ـ لا ما بنطيعك ,, بس قلتلك من باب إنك أختي وأخته في نفس الوقت ,, أبي أعرف بس من وين طلعتيلي إنتي يعني أمي ما لقت إلا إنتي ترضعك ههههههههههاااي
ـ بس أنا أقدر أخرب عليكم جوكم الرومانسي اللي تبونه ,, بكلمه واحده مني .ههههههههه
ـ ما أظن ريم حبيبتي تسويها , وألحين ما ودك ننام بعد ما عرفتي كل شي .

القدر أحيانا يسايرنا فيبعث في أيامه ولياليه ما يسلينا ويفرحنا ,, كانت ليلة الأربعاء ليلة هادئة شاعرية بكل ماتحمله الكلمة من معنى ,, في طريقي كنت أتحدث مع ريم وكان كل شيء أمر به يبتسم في وجهي ,, كانت الشوارع والأشجار والأرصفة تشاركني فرحتي بلقاء روان ,, كانت ريم كذلك مع أنها كانت ممتعضة قليلا لأن روان لن تشاركها تلك الليلة الصاخبة ,, أوصلت ريم لباب القصر على موعد بأن أعود لها بعد ساعات ,, استقلت ريم وحلت روان محلها وأغلقت باب السيارة ,, كانت روان بحد ذاتها فتنة تمشي على الأرض ,, من يرى عيناها تحت برقعها يستدل من خلالهما على جمالها وفتنتها ,, ومن يشم عطرها يجن جنونه ويخر راكعا عند قدميها ,, ومن يرى رشاقة وتناسق جسمها يعجب من ذلك التكوين الساحر ,, ظللت واقفا في مكاني إلى أن قالت :
ـ وش فيك نايف تحرك ؟؟
انطلقنا نجوب الشوارع إلى أن استقر بنا المطاف في ركن هادئ من حديقة السلام بالرياض والبعض يسميها ( ملجأ عاشقين الرياض ) ,, كان مكانا جميلا حقا ,, حديقة خضراء مليئة بالأشجار ,, يتسلل من خلالها ماء صاف زيتنه أنوار حمراء وخضراء ,, كأن من قام بتنسيقها يعرف أنها ستكون ملجأ للعاشقين ,, تقارب الجسدان والتصقا كأن كل واحد منهما خائف لا يطمئن إلا إذا أحس الآخر ,,
ـ روان وش رايك بالمكان حلو ومنسق صح ؟
ـ قبل ثلاث شهور أو أربعة جينا أنا وأمي وعصام وزوجته نفس المكان ,, كنت وقتها جسد بدون قلب ,, إلا في قلب يضخ دم بس مايحس
ـ وألحين ,, وش تغير !!؟
ـ أشياء كثيرة ألحين أحس إني إنسانة ,, أحس بقلبي يتحرك تحرك عجيب جدا ما أقدر أوصفه لك نايف ,, ما أقدر أقولك إلا إني أحس بحرارة كبيرة في صدري ,, ودي آخذ نفس عميق عشان تروح .
ـ من متى روان ,, من متى بديتي تحبين ؟؟
ـ سؤال غريب منك نايف !!!
ـ تذكرين ياروان يوم قلتي لي : إنك تفكرين بواحد ثاني .
ـ صح كنت أفكر فيك ,, أو بالأصح كنت أفكر متى راح ألقى واحد زيك ,, يكون من نصيبي لحالي بس .
ـ عجيب أمرك ياروان ,, يعني إنتي دستي على مشاعرك ومشاعري عشان بدور ,, تعرفين إن بدور ذي ماتعني لي أي شي سوى إنها بنت خالتي بس .
ـ للأسف ماتأكدلي إنك ماتفكر فيها إلا بعد ما مزقت جسمك عشاني ,, سامحني نايف على تجاهلي لك ذاك الوقت كله ,, وأبشرك ههههههه ترى الرسالة اللي أنت حطيتها في دفتر ريم موجوده عندي للحين أتمقل فيها صبح ومسا .
ـ يعني أخذتيها وقلتيلي يمكن راحت لواحده ثانيه ,, الله يسامحك روان .
ـ والله إني كنت أحس فيك يانايف بس وش أسوي مغلوبة على أمري وقتها ,, لاني قادره أقولك إني أحبك ,, ولاني قادره أنساك ولا أتخيل إني ألاقي إنسان مثلك .
ـ وأختنا في الله روان قعدت تستلم رسايل مني واتصالاتي تتجاهلها لين كرهتني في الدنيا .
ـ هههههههه وش أسوي لك نايف قلتلك على الأسباب ,, بس بصراحة أسلوبك في كل رسايلك يهبل ,, من وين تطلع الكلام أنت .
ـ إلي يشوفك ياروان غصبن عنه لازم يصير شاعر ,, بصراحة من أول ما شفتك وأنا أحس نفسي غير ,, حتى كلامي وأسلوبي تغير ,,بس لحظه روان شوي ,, إنتي ما تلاحظين شي !!!؟
ـ وشو ؟؟
ـ يعني من يوم ركبتي السيارة للحين وإنتي ما شلتي عينك عن وجهي ,, في شي بوجهي غريب !!؟
ـ هههههه نايف وش أسوي ماشفت شي عجبني في الطريق ولا هنا إلا وجهك ,, وإلا حرام أتمقل في نايف حبيبي .
ـ وأنا يعني حرام علي أشوف وجهك ,, من يوم ركبتي السيارة ما شلتي البرقع ذا .
ـ يمديك نايف إذا رجعنا للسيارة ,, والا انت تبيني أكشف لك وجهي بين أمة محمد ,, ماتشوف العايلة اللي قاعدين هناك ويطالعونا كنا قاعدين على روسهم ..
ـ بصراحة أنا ماأشوف في الحديقة إلا روان حبيبتي ,, اللي تكفيني عن الحديقه واللي فيها والدنيا ذي كلها .

ذهبنا شرقا وغربا ,, وأبحرنا في تلك الليلة من ذلك المكان الهادئ في كل بحار الحب ,, ورسونا في كل شطآن الكلام العذب الذي يتبادله العاشقون ,, وكنا كلما ازدادت برودة الجو أقترب كل منا للآخر والتصق به من حيث لا يشعر الآخرون ,, فتآلف جسدانا وتعارفا ,, أحسست بدفء جسد روان وأحست هي ببرودة جسدي ,, لم نقترف إثما ولا ذنبا فالله وحده يعلم أني لم ألمس من جسدها إلا يدها الناعمة ,, وكنت أحس بحرارة كتفها وساعدها في كتفي وساعدي ونحن نتحدث ونبحر بين أمواج الهوى ,, لبثنا ساعات مرت كأنها دقائق ,, عدنا للسيارة بغير الجسدين اللذان خرجا منها ,, عدت وفي جسدي روح روان تغلغلت فيه ,, وكما قالت لي عادت وفي جسدها روح نايف قد تمكنت فيه ,, لبثت في السيارة دقائق أتأمل جمالها الملائكي ,, بعد أن أزاحت ذلك البرقع عن وجهها ,, كان هو جمال روان المعروف الذي تحسدها عليه البنات ,, وهو نفسه الذي أبهرني لما رأيتها ,, كانت روان في تلك الليلة أجمل من قبل ,, أضافت بعض مساحيق التجميل لوجهها ,, وهي لا تعرف أنها هي التي جعلت المساحيق تجمل ,, كانت روان بجواري في المقعد الأمامي ,, وأنا مستند على يدي قد وجهت اهتمامي وتركيزي ووجهي لجهتها
ـ سبحان اللي خلقك ياروان .
ـ واللي خلقك بعد يانايف .
ـ روان تصدقين ودي أكمل بقية حياتي كلها أتأمل في وجهك .
ـ شوف حبيبي ماسألتني للحين وشو الدين اللي قلتلك عليه
ـ صحيح روان وشو ؟؟
ـ تبيني أقولك عليه ألحين وإلا بعدين .
ـ لا ألحين روان وشو .
ـ طيب قرب شوي نايف

اقتربت منها قليلا ,, ففاجأتني بأن أدنت وجهها مني ,, ووضعت شفتاها بين شفتاي ,, وذهبنا في قبلة حارة عنيفة ,, التقت فيها عينانا فتأمل كل منا عيني الآخر عن قرب ,, والتقت فيها أنفاسنا فأحس كل منا بحرارة أنفاس الآخر ,, تسللت يدي إلى عنقها وأمسكت به ,, وكانت هذه أول مرة ألمس فيها شعرها الأسود الحريري ,, عبثت يدي في خصلات من شعرها تدلت فوق كتفها ,, وذقت من فمها أروع الشهد وأطيبه ,, لو خيرت لجعلت مشربي منه إلى يوم الدين ,, تسلل لسانها الوردي والتقى بلساني ,, عدت وتحسست أنفاسها الحارة ,, وعادت عيناي والتقت بعينيها ,, رأيت كرة صغيرة من الدمع تتسلل من عينها على خدها الأيمن ,, لم يكن فكاكنا عن بعض بالسهل ,, ولكننا ابتعدنا عن بعضنا في وقت واحد ,, وتأملتها قليلا وتأملتني ثم انفجرنا ضاحكين :
ـ ههههههههههههاي وش ها الدين ياروان ؟؟ ليت ديون الدنيا كلها بالحلاوة ذي
ـ هههههههه تذكر يانايف يوم دخلت غرفتي بالمستشفى ,, وحبيت إيدي ,, وقتها حلفت إني ما أردها إلا كذا .
ـ يعني كنتي صاحيه ذاك اليوم !!!
ـ إي صاحية وأحس فيك ,, بس بصراحة ما تجرأت أفتح عيوني وقتها ,
ـ أحبك ياروان أموت فيك .
ـ أدري حبيبي وإلا لو ماتحبني ما كسرت عضامي قبل شوي ,, حبيبي هذي بوسه مو معركه هههههههه
ـ ههههههه طيب روان ,, ماتذكرين إني تسلفت منك غير ذيك الوقت .
ـ لا !!! لا !!! بس ذاك الوقت ,, وهذا برقعي وها رجعته ,, واطلع بسرعه خلنا نلحق ريم في القصر ,, لانزعلها تفضحنا بعدين .
ـ لا حرام ريم أختي وأعرفها ما تسويها .
ـ وانت صدقت حتى أنا أعرف ريم ما تسويها ,, كنت أمزح .

في تلك الليلة تقلبت في سريري ولكن النوم كان أبعد عن عيني من نجوم السماء كما يقال ,, لم تعد روان حبيبة فقط بل أصبحت جزءا لا يتجزأ مني ,, أشغلت فكري وعقلي وقلبي وأحاسيسي ,, أيقنت أني لن أهنأ في عيش إذا لم أكن معها ,, تناولت جهازي وبدأت أكتب رسالة وأرسلتها لها :
( أميرتي وفاتنتي روان ,, كنت أراك بعيني : أميرة جميلة فاتنة ناعمة ترفل في ثياب الحسن والبهاء ,, فتاة في العشرين تملك عينين يحتويان أسرارا ,, وتملك جسدا تنبعث منه رائحة الأنوثة الطاغية والفتنة ,, باختصار : كنت أراكي بعيني أرى محاسنك الخارجية فأحببتك لأجلها!!!
وبعد هذه الليلة التي قضيناها سويا ,, أصبحت أراكي بقلبي : فتاة الطهر والعفة ,, تملك روحا صافية صفاء الماء العذب الزلال ,, وتملك قلبا رهيفا يمتلئ حبا وإخلاصا ,, وتملك نفسا صعب أن أقول إنها نفس بشرية ...
إلى هنا كنت أحبك ,, ولكني تجاوزت الحب وارتقيت في سمائه ,, وصعدت ,, وصعدت ,, إلى أن وصلت لمرتبة العشق والهيام ..
كانت بعض أجزائي قد حلت مكانا فيكي بعد تلك العملية ,, أبقيتها فيكي كضمان لي وعهد ,, اعلمي أن روحك في هذه الليلة قد حلت روحي فأصبحا روحا واحدة ,, هذا ضمانك وعهدك .
أميرتي روان ,, كنت من قبل قد بخلت بكي على نفسي ,, فلا يحق لملاك مثلك أن ينحدر لأمثالي ,, لم أكن أحلم إلا برؤيتك فقط ,, وإن تطاولت إلى سماء الجمال فلن أتعدى قبلة أطبعها على يدك الطاهرة اجلالا واحتراما ,, تفاجأت حقا بما فعلتيه ,, ولكن ثقي بأن تلك القبلة التي منحتيني إياها ليست إلا ميثاقا أعطيك أياه عن قرب ,, وهي وعد صادق لا شك فيه ولن يختلف ,, وهي اعتراف بحقيقة حبنا ,, وهي السر العميق الذي يصل إلى القلب عن طريق الفم ,, وهي اللحظة الأبدية التي يقصر زمنها وتدوم حلاوتها ,, وهي اتفاق بين الوليفين على معنى واحد ,, عبر تلك القبلة يا روان استنشقت رائحة قلبكي ,, وتذوقت طعم النفس على الشفاه ,, وأحسست بشدة حرارة الصدر التي شكوت لي منها ياروان ...
عذرا ستبقين حبيبتي ,, وستبقين أميرتي ,, وستبقين في جسدي وروحي ما حييت .... إن .... تكرمتي وسمحتي .
نايف )

دارت الأيام ودارت ,, ومع كل دورة يزداد حبنا وهيامنا ,, لم تمض أشهر قليلة من ذلك الحب ,, حتى بدت علاماته واضحة علي وعلى روان ,, الاهتمام الزائد الذي يبديه كل واحد منا بالآخر لفت انتباه من لم ينتبه في كلا العائلتين ,, وهذا ماكنا نريده أنا وروان تمهيدا لمشروع الزواج ,, بعد أشهر بدأت محاولاتي مع أخي سالم الأكبر ومحاولات ريم مع زوجته نوره لأن لها تأثيرا كبيرا عليه فاقتنع ,, وبعد جهود جبارة مني ومن ريم في أمي اقتنعت بعد أن ألقت بمسؤولية خالتي وابنتها وإقناعهما علي ,, أمي أمرأة عظيمة ولها تأثير كبير على الجميع إلا خالتي التي لا تقتنع برأي أحد ,, وترى كل من حولها أطفالا لا يستطيعون تدبير أمورهم ,, أما أم روان وعصام فأخبرتني روان بأنهما وافقا على الفور بمجرد أنها أخبرتهما بل من شدة فرح عصام تكفل بنصف تكاليف زواجنا ,, إذا لم يتبق أمامي الآن إلا خالتي وأولادها ,, قمت بالاتصال على أحمد أكبر أولاد خالتي ,, وخرجنا في جولة في شوارع الرياض لم نعد منها إلا وأحمد مقتنع بل وتكفل بإقناع بدور ,, كان أحمد إنسانا عاقلا متفهما بكل ماتحمله الكلمة من معنى ,, ولكنه تملص من محاولة إقناع أمه واكتفى بإخبارها ,, الكل كان يعرف موقف خالتي وماستفعله والكل كان يترقب .

في صالة بيتنا وفي عصر اليوم التالي من مقابلتي بأحمد ,, فتح باب الصالة بعنف دخلت منه خالتي بدرية والغضب واضح على قسماتها ,, تلقيتها بابتسامة الابن البار ,, وقمت بتقبيل رأسها احتراما ,, الجميع كان ينظر ويترقب ,, أمي وأخي سالم وريم ونورة زوجة أخي أراها تراقب المسرحية من الطابق العلوي ,, جلست خالتي ووجم الجميع :
ـ نايف وش الكلام إللي سمعته من أحمد ؟؟
ـ كل خير ياخالتي ,, كل مافي الموضوع إني راح أتزوج .
ـ مبروك يانايف ,, ومنهي سعيدة الحظ .
ـ روان بنت المرحوم أبو عصام .
ـ هذي هي البنت اللي تبرعت لها أنت بالكلية .
ـ إيييوه هي . وش رايك فيها خالتي ؟
ـ بنت شاطره ,, عرفت كيف تلعب بعقلك .
ـ غريبة أسمع منك ها الكلام خالتي مع إنها قالت لي إنها ما عمرها شافتك !!؟
ـ طيب يانايف وبدور ؟؟
ـ وش فيها بدور ,, ألف من يتمناها ونصيبها جايها بإذن اللي ما تنام عينه .
ـ ما تدري إنها ألحين قاعدة تبكي على حظها ,, وش فيك إنت يانايف أكيد راح شي من عقلك يوم راحت كليتك !!؟
ـ شوفي خالتي إنتي وبدور على عيني وعلى راسي ,, والله إن في قلبي لكم كل تقدير واحترام ,, وش أسوي خالتي نصيبي مع روان ,, وبدور نصيبها بيجيها .
ـ نايف ترى أنا مربيه بدور عشانك ,, يعني من صغركم وانتم لبعض ,, وش حضرتك تجي إنت وتطلع عن عاداتنا وتقاليدنا ,, إذا كان في بدور شي يعيبها قل لي .
ـ حشا لله بدور من زينة البنات خالتي ,, بس زي ما قلتلك القسمة والنصيب .
ـ وانتوا بتجننوني ,, وش فيكم كلموه فهموه إنه لبدور وبدور له ,, زي ما تزوجت إنت ياسالم وزي ماتزوجتي ياوخيتي بأبو سالم وزي ما تزوجت أنا بابو أحمد ,, فهموا ها الورع ..
ـ وش أقوله يا وخيتي يا بدرية هذا هو قدامك كلميه إن أطاعك .
ـ طيب ألحين قلي يانايف ,, كل الناس عارفين إن بدور مخطوبه لك ,, تتوقع وش راح يفكرون فيه إذا رحت وتزوجت غيرها ,, تحسب الناس تسكت ,, لا والله بيقولون ها البنت كانت مخطوبه وخطيبها رواح وتزوج غيرها ياترى وش سوت ,, بعد كذا تتوقع يانايف إن في أحد بيتقدم لها ؟؟؟!!!
ـ خالتي أرجوكي لا تفسرين كل شي على كيفك ,, تكفين خالتي أنا حبيت البنت ذي وخلاص باتزوجها .. وترين النصيب ياخالتي ماهو بكيفي ولا بكيفك ,, كل شي بيد رب العالمين ,, وبدور إذا كان لها نصيب بيجيها ,, صدقيني إني أتمنا لها كل خير ,, ولعلمك خالتي أنا ماني خاطبها ولا شي ,, كل ذا سويتوه أنتم ,, يعني الذنب ذنبكم .
ـ آآآخ منها الصايعة الضايعة اللي لعبت بعقلك .
ـ إذا بديتي ياخالتي بالشتم ,, خلاص أنا استأذن وباطلع من البيت ,, ترين اللي تتكلمين عنها بتصير زوجتي ,, وحرام ترمين الناس بألفاظ يمكن إنهم أرفع منها بكثير ,, والله لو تعرفين روان ياخالتي ما كنتي تقولين عليها ها الكلام .. بس على العموم أنا طالع ,, وما أدري خالتي لو أجي لعندك وأحب راسك تتنرفزين علي وتعطيني كف ؟؟.
ـ لا تقرب مني واطلع لا أشوف خشتك لين يرجع لك عقلك .

خرجت من المنزل ,, ولم أعد إلا بعد أن غادرت خالتي ,, عرفت من الجميع أنها لن تقتنع ولن ترضى وأنها خرجت مغضبة ,, مرت الأيام واقترب موعد الزواج ,, والجميع كان سعيدا به ,, إلا خالتي التي اتصلت بي وكررت محاولاتها وشتائمها فلم أجبها إلا بكل احترام وتقدير :
ـ ها يا الغبي عزمت على الزواج .
ـ بإذن الله خالتي ,, ووالله إن ودي أسمع منك دعوة لي بالتوفيق .
ـ أنا إذا ما دعيت عليك ما ني رايحة أدعيلك ,, لو تشوف بدور كل يوم تبكي ,, مو عشان خشتك ,, بس هي عارفة إن مافي أحد راح يتقدم لها .
ـ ياخالتي الله يهديكي ,, قلتلك إنتي تفسرين كل شي بفهمك ,, وتلاقينك إنتي إللي أقنعتيها إن ماراح أحد يتقدم لها ,, ياخالتي ما في أحد يفكر بنفس تفكيرك ,, تكفين افهميني خالتي وفهميها .
ـ شوف نايف أعرفك إنت ما منك فايده إذا عزمت على شي بتسويه ,, بس انتبه يمكن يجي اليوم اللي تندم فيه .
ـ لا تسودينها بوجهي خالتي تكفين ,, اذا ماكان معاكي كلام حلو ,, خلاص لا تسمعيني الكلام الشين .
ـ طيب ,, ظف وجهك .

اقترب موعد العرس ,, لم يتبقى إلا أسبوعان فقط ,, ولكني في غمرة الفرح والمشاغل ,, انتبهت لشيء بدا لي غريبا ,, وهو أني صرت في الأيام الأخيرة لا أرى روان وجها لوجه ,, مع أني كنت من قبل أراها كثيرا ,, سألت عنها ريم فأخبرتني أنها بكل خير وعافية ,, كذلك أكدت لي اتصالاتي بها ,, وأخيرا اقتنعت بأن ذلك يعود إلى انشغالها بترتيبات الحفل ,, أو ربما كانت أمها من أقنعها بأن تتريث عن مقابلاتي إلى موعد الزفاف ,, وفي ذات ليلة تلقيت من روان مكالمة على هاتفي :
ـ هلا روان هلا حبيبتي هلا بدنيتي .
ـ كيفك حبيبي نايف .
ـ أنا بخير روان بس وش فيه صوتك ,, إنتي تبكين !!؟؟
ـ لا لا وشو له أبكي ؟؟ بس اتصلت عليك حبيبي أسألك إذا ممكن نأجل العرس شوي .
ـ نأجله !!!؟ ليه خير حبيبتي ؟؟
ـ لا يانايف ولا شي ,, بس إني كنت أشوف نفسي مالحقت أجهز للعرس .
ـ إللي يسمعك يقول إننا عازمين هل الرياض كلهم ,, ترين اللي عزمناهم قليل والعرس على قده ما بيكلفنا ,, وإنتي ياروان لا تجهزين شي أبيكي زي ما أنتي ,, حبيبتي روان ,, يعني انتبهي لو تضيفين مساحيق وتلبسين فستان عرس ,, يمكن أنجن وانتحر يوم العرس ,, ها أنا حذرتك ,, وعلى العموم شوفي العرس بكيفك اللي تشوفينه سويه ,, لوماودك نسويه ما سويناه .
ـ أحبك يانايف أموت فيك ,, خلاص العرس زي ما هو ,, وانتبه لاتقول لأحد بالسالفه ذي ,, بااي
ـ بااي .

تقدمت الأيام بسرعة ,, وجاء يوم العرس ,, الكل حضر إلا خالتي لم تحضر ,, والغريب أن بدور وأحمد حضروا ,, كما قلت بدور وأحمد إنسانان كريمان نبيلان ,, وإن صدر منهما تصرفات سيئة فكل ذلك عائد لتأثير امهما عليهما ,, تم العرس كما خطط له ,, كانت فرحتي عظيمة جدا لن أستطيع وصفها مهما وصفت ,, اقتراني وزواجي بهذه الفتاة كان حلما روادني خلال سنة مضت ,, ولكنه هاهو يتحقق في هذه الليلة ,, كنت أتحسس أيادي من يتقدم لي ويهنئ كأني أتأكد إن كنت حقا أعيش هذه الليلة أم لا ,, كان فكري متوجه كله لروان ,, التي تتواجد في الصالة الداخلية المغلقة مع النساء اللاتي حضرن الحفل ,, سبحت في بحر من الأفكار ,, لم يقطعها إلا توجه عصام إلي وهو يبتسم ويقول :
ـ مبرووك يانايف ألف مبروك .
ـ الله يبارك بايامك عصام .
ـ شوف يانايف أنا أسعد إنسان اليوم إني شفتك أنت وروان أختي متزوجين ,, صدقني إني كنت أفكر بزواجكم من يوم كنتوا الاثنين بالمستشفى ,, بس ما تجرأت أطرح الموضوع .
ـ الله يخليك ياخوي ياعصام .
ـ شوف نايف أنا حجزت لكم بأفخم فنادق الرياض جناح على حسابي أسبوع ,, وسالم أخوك زاد أسبوع على حسابه ,, الله يوفقكم ,, وماراح أوصيك على أختي روان لأني من بكره مسافر.
ـ روان في عيوني يا عصام ماعليك ,, وخالتي أم روان بعيوني بعد ,, يعني سافر وانت مرتاح لا تشيل هم .
ـ الله يخليك نايف ويوفقكم .

شارفت الساعة الثانية بعد منتصف الليل ,, انتبهت لهاتفي يواصل رنينه ,, أجبت :
ـ هلا روان ,, ها ودك نطلع للفندق .
ـ اوكي نايف ,, اسبقني انت لهناك وأنا بالحقك مع أخوي عصام وريم وأمي بيوصلوني لباب الجناح .
ـ !!! روان وش ها الكلام ,, لا تتعبينهم بنروح أنا وانتي حتى ..
ـ افهمني يانايف أرجوك اطلع لهناك ,, حتى أنا فهمتهم إني أبي كذا ,, زي الزفة يعني .
ـ اوكي روان مع إني ما فهمت قصدك !! بس على راحتك .

في بداية الأمر استغربت ولكني فكرت أنه ربما اتفق الجميع على هذا الترتيب ,, ابتسمت في نفسي ,, وتوجهت للفندق ,, تبعوني جميعا أوصلوها لباب الجناح ,, ولم يدخلوا ,, ودعونا جميعا من هناك وانصرفوا ,, أغلقت الباب والتفت لروان وكانت واقفة عند الشرفة الجميلة المطلة على مسبح وحديقة الفندق ,, اقتربت منها وقلت :
ـ غريبة روان ,, بدلتي فستان العرس بها الفستان !!؟؟
كأن كلمتي كانت مفتاحا لعينيها ,, رأيت تلك الدموع المنهمرة من عينيها ,, ولكني لم أسمع صوتها ,, اقتربت منها فزعا مستغربا ,, وسألتها : ـ وش فيكي روان تبكين !!؟ ,, التفتت إلي كان يخدش جمالها ذلك الشحوب البادي على وجهها وتلك الدموع المنهمرة من عينيها ,, ولكنها كانت روان الجميلة الفاتنة ,, اقتربت مني واحتضنتي بحنان وزادت في البكاء على كتفي ,, كنت أحس بها ترتعش بشدة ,, قادتني بعد أن جاهدت نفسها وقطعت البكاء إلى مقعد قريب أجلستني عليه ,, وجلست على الأرض بجانب قدماي ,, وأمسكت بيداي وقالت :
ـ حبيبي نايف ,, أعرفك إنت إنسان دين وعاقل ومخلص وراح تفهم اللي بقوله لك ألحين ...
ـ وش فيكي روان !!! تكفين حبيبتي قوليلي وش صار ؟؟
ـ شوف نايف بقولك بعد ما آخذ منك وعد إنك ماتطلع ها الكلام لأحد ,, إلا إذا كان بينفعك ويساعدك في موقف تشوف أنت إنك لازم تقوله ,, وبقولك ألحين قصة صارتلي قبل ثلاث أسابيع ,, بس على وعد منك إنك ماتسألني عن أحد ولا تحاول تسأل عن أحد بعدين ,, وإذا صار فيني شي لازم تذكر إنك وعدت واحدة اسمها روان ,, وذاك الوقت بيحكم والوعد بيحكم إذا كانت تهمك روان أو لا .
ـ أكيد تهميني روان ,, وأوعدك على كل شي قلتيه ,, بس وش صار !!؟؟ أربكتيني

أجد يدي ترتعش وأنا أكتب هذا الكلام ,, أجد دمعي يزاحم بصري وأنا أكتب هذا الكلام ,, ولكني لم أخرج عن وعدي الذي التزمته حين كتبت هذا الكلام ,, وسأبين كيف كان هذا بعد أن أنهي كلام روان في تلك الليلة ,, كانت روان كماهي جالسة في الأرض عند قدماي ,, أمسكت بيداي وبدأت في الحديث بعد أن وضعت خدها الناعم على ظهر يداي ,, كان حديثها متقطعا ببكائها ولكني فهمته وحفظته عن ظهر قلب :
ـ شوف نايف ,, قبل ثلاث أسابيع تقريبا اتصلت فيني حرمة ,, وقالت انها لازم تشوفني ,, فكرت إنها بتكون خالتك بدرية ,, قلت وين تبيني أقابلك ,, قالت تعرفين الأسواق الفلانيه فيها محل كوفي فيه قسم حريم ياريت أقابلك هناك الليلة ولحالك ,, قلت لنفسي بروح وأقابلها وأشوف وش تبي ,, لما دخلت المحل ذيك الليلة ,, قابلت حرمة لاهي خالتك ولاشي ,, جلست معاها ,, قعدت تتغزل فيني وحاولت إنها تكرهني فيك بكل كلام كانت تقوله عنك ,, قالت إنك تقابل بنات ,, وإنك وإنك .. لحد ما صرخت فيها وقلت لها : احترمي نفسك والزمي حدودك ,, بكيفه يسوي اللي يبي ماهمني ,, بعدها بكت الحرمة وقالت : والله يابنيتي ما ودي تتورطين مع ها السافل الحقير ؟؟ رديت عليها : الله يسامحك ويجازيك على نيتك ,, أنا ماراح أتزوج إلا نايف مهما قلتي عنه ,,

لم تنطق روان بحرف إلا وبكت معه ,, ولكنها عندما وقفت في الحديث عند هذا الحد ,, شددت في الضغط على يداي وزادت في البكاء ,, وأكملت كلامها بعد مجاهدة دموعها :
ـ وبعدين يانايف حسيت إني بابكي قدامها ,, قلت لنفسي اصبري شوي ياروان ,, أخذت كوب مويه كان قدامي وشربت منه شوي ,, حسيت لما بلعت المويه إني بلعت معاها كوره كبيره مره أكبر مما تتصورها ما شفتها بس حسيت فيها ,, حتى إني بديت إحس حلقي يتقطع ,, وحتى إني حسيت نفسي إني بصارخ من الألم ,, صبرت شوي ومسكت على حلقي ورجعت الكوب مكانه ,, آآآآه يانايف ,, بعدها ضحكت الملعونة ,, وقالت خلاص يمديكي تتهنين بنايف على راحتك ألحين ,, وقامت وطلعت من المحل ,, بعدها رجعت للبيت ,, وعرفت من ذيك الليلة إني مسحورة وإن الملعونه حطت لي شي في المويه أشربه .

كنت متجمدا في مكاني أستمع لكل حرف تنطق به مندهشا ,, كذلك تجمد الدم في عروقي وتجمد الدمع في عيني ,, فلم أعد أحس بشيء أبدا ,, ظللت مركزا نظري في وجهها ,, وهي زادت في البكاء وزادت في تقبيل يداي وأكملت حديثها ,, بصوت مرتجف :
ـ بعدها يانايف ما قدرت أقول لأحد ,, ولا حتى فكرت إني أقولك وأقطع عليك سعادتك اللي كنت تعيشها ,, من يومها يانايف وأنا كل ما قربت منك إذا جيت لبيتنا ,, أحس بسكاكين تقطع في بطني وما تهدى إلا إذا بعدت عنك ورحت لغرفتي ,, فكرت إني أأجل العرس لين أشوف لي حل ,, وقعدت أصلي وأدعي ربنا إنه يخفف عني شوي ,, صدقني يانايف إنك كسرت خاطري لما اتصلت عليك أطلب منك أأجل العرس ,, شفتك تكدرت شوي بعدها قلت خلاص نسوي العرس واللي يصير يصير كل شي مكتوب ومقدر ,, ولا إني أزعل حبيبي نايف ,, وأنت يانايف الوحيد ألحين اللي تعرف ,, ووالله يانايف إني ماصدقت من كلامها اللي قالته عنك ولا حرف ,, آآآه نايف والله إني أحس السكاكين تقطع في بطني من يوم دخلت الغرفة ذي .

لأول مرة في حياتي يتجمد لساني ,, فلم أستطع أن أقول حرفا ,, ظللت متسمرا في مكاني أتأملها تبكي وتؤكد لي أنها لم تصدق شيئا من كلام تلك المرأة اللعينة عني ,, كنت في حياتي كلها لا أؤمن بالسحر اللعين ,, وأقول إنه مجرد خرافات وأوهام يتخيلها الناس ويصدقونها ,, حتى رأيت روان بأم عيني تنحني وتقبل قدماي ,, ورأيت تلك القطرات من الدم تنزل من فمها على قدماي ,, وسمعت صرختها المدوية حينما استغاثت بي من سكاكين حادة تقطع جسدها من الداخل ,,حينها تحركت كل مشاعر نفسي الذاهله ,, وتحركت كل ضلوعي المتجمدة ,, وبدأت كل دمعة محتبسة في عيني بالنزول ,, تحركت عن مقعدي واحتملتها بين يداي إلى السيارة لأنقذها من حالتها تلك في أقرب مستشفى موجود ,, أحسست بها ترتعش بشدة بين يداي ,, ورأيت بطنها يزيد في انتفاخه أمامي ,, وأبصرت قطرات الدم قد زادت وبدأت في الخروج من فمها ,, أوصلتها لمقعدها في السيارة وتلوت عليها بعض آيات الذكر الحكيم ,, كان له تأثير البلسم الشافي عليها ,, فقد بدأت حالتها تخف ,, وزال الانتفاخ الموجود تدريجيا ,, وبدأت روان في العودة إلى وعيها ,, قدت سيارتي بسرعة جنونية إلى أقرب مستشفى ,, كانت ساعات الفجر الأولى قد حلت ,, في طريقي أمرتني روان بالتوقف ,, توقفت وأشربتها بيدي الماء الذي طلبته فشربت قليلا منه ومضمضت الدم الموجود في فمها ,, كانت روان شبه مستلقية في المقعد الأمامي للسيارة ,, من إشاراتها فهمت أنها تريدني أن أقترب لتقول لي شيئا :
ـ حبيبتي روان لا تقولين شي ألحين .
ـ نايف ما أدري ألقاك في المستشفى أو لا ,, بس تذكر مثل ما وعدتني .
ـ روان مو وقته ألحين خليني أوصلك للمستشفى .
ـ شوف نايف إذا صار فيني شي ,, شف حياتك تكفى .
ـ لا بإذن الله ما يصير فيكي إلا العافية .
ـ نايف بعمري كله ,, ما حكيت مع إنسان ثاني غيرك ,, إلا أبوي الله يرحمه وأخوي .
ـ أدري روان إنك نزيهة وشريفة ,, وأنا روان ورب العزة والجلالة ماعمري لمست إنسانه غيرك ,, إلا محارمي بس .
ـ حبيبي تكفى إذا صار فيني شي تذكر إنك وعدتني إنك ما تسأل ولا تأذي أحد .
ـ روان وش ها الكلام الله يخليكي اسكتي .

لم يبخل أحدنا بدمعه على الآخر ,, كنت منحنيا برأسي إلى روان حتى أسمعها وتسمعني ,, تقارب الرأسان وتقاربت الشفتان لتبحثان عن قبلة الوداع ,, كنت أحس بأنفاسها الحارة جدا تمزق وجهي ,, أيقنت لوقتها أنها روحها بدأت في الخروج ,, كنت أجد طعم دمها على لساني ,, وكنت أسمع بكائها في أذني ,, وكنت أحس بتلك السكاكين حين بدأت في تمزيق جسدهها في رعشتها تلك ,, حاولت فك نفسي منها لأوصلها لأقرب مستشفى ,, ولكنها شددت في ضمي إليها كأنها تريد أن تستمد روحا مني تستبدل بها روحها التي بدأت في الخروج ,, بكيت لأجلها وسالت دموعي على خديها ,, جاهدت وجاهدت ولكن قواها خارت من جديد فتركتني وأمسكت ببطنها وهي تتلوى واسترسلت في آلامها وبكائها ..
تلوت عليها بعض الآيات في تلك الدقائق التي أكملتها للمستشفى ,, أحسست بها هدأت من جديد ,, نقلوها لسريرها في المستشفى ,, حاولت الإبتعاد عنها وعن غرفتها التي نقلوها إليها ,, حتى لا أزيد في تعذيبها ,, لأن ذلك السحر اللعين يتزايد ويستعر كلما اقتربت منها .
تحلق الجميع حول سريرها الأبيض ,, كنت في الصالة الخارجية أغالب دموعي التي زادت في الانحدار ,, تقدم الأطباء من روان وحاولوا بكل الطرق الممكنة ,, لإيقاف ذلك الألم وذلك الدم المنبعث بشدة من صدرها وبطنها ,, ثم أخذوها لغرفة الإنعاش ولم تخرج منها إلا إلى مثواها الأخير وتربتها الطاهرة ,, كل من كان في غرفة الانتظار بكى ,, أمي وأم روان وعصام وسالم ,, أما ريم فتعلقت بيداي وأخذت تنتحب انتحابا شديدا ,, لم تستطع أن تكلمني ولكني أراها تتعلق بي كمن تطلب مني أن أعيدها إلى الحياة .
في أحيان كثيرة وعندما يبلغ الحزن بالإنسان مبلغا كبيرا ,, يجد الإنسان دموعه تتحجر ولا تنزل ,, ويجد حرارة كبيرة في صدره تمزقه ولا تكتفي بل وتقارب لتفجيره ,, يريد أن يخفف منها ببعض الدموع ولكنه لا يستطيع ,, هكذا كانت حالتي في مساء ذلك اليوم التعيس ,, مع أن لساني تحجر أيضا في مكانه فلم أستطع النطق بكلمة ,, أخذتها بيداي للمصلى وصلينا عليها صلاتها الأخيرة ,, وأنزلتها بيداي لتربتها ولحدها ,, وتوارت في التراب .
استقبل الجميع وفود المعزين ,, كانت هذه الوفود المعزية في ليلة الأمس وفودا مهنئة ,, سبحان الله له حكمة بالغة في كل شيء ,, لم أستطع استقبال أحد وإنما التزمت المسجد يومي وليلتي ,, فتحت باب المنزل ووجدت الجميع متحلقون في صالة المنزل ,, كل منهم يركز نظره في الآخر بصمت ,, لم أبلغ مقعدي حتى ركز الجميع نظرتهم في ,, اقتربت مني أمي وأخذت في تصبيري وتذكيري بالقضاء والقدر ,, لم أستطع إجابتها لأن لساني كان متحجرا لا يتحرك واكتفيت بنظرة وإشارة برأسي أفهمتها أني صابر جلد ,, تطلعت في الجميع وأذهلتني تلك المرأة المتباكية في ركن الصالة كانت خالتي ,, انتفضت من مكاني واقفا وتوجهت نحوها ,, عندما اقتربت منها قطعت بكاءها وطالعتني في ذهول ,, ركزت النظر إليها ووجهت نظرة إلى عينيها جعلت الدم يخثر في عروقها ,, تبدت لي صورة روان وهي تتلوى وتلفظ الدم ,, استدرت على عقبي وتوجهت لغرفتي واسلقيت على سريري وأغمضت عيناي ,, ثم تنبهت بيد حنونة تمتد إلى جبهتي أدركت قبل أن أفتح عيناي أنها يد ريم :
ـ أحسن الله عزانا كلنا يانايف ,, روان كانت بالنسبة لي أكثر من أخت ,, الله يرحمها والحمد لله يانايف سمعتها تتشهد قبل ما يدخلونها الإنعاش ,, نايف ليه ما ترد علي !!؟ ,, نايف روان وش صار فيها بالضبط ؟؟ نايف رد علي تكفى كلمني ,, نايف روان في الأسبوع الأخير ماكانت طبيعية ,, نايف روان كانت مريضة والا شي؟؟ ,, نايف ...
وانطلقت ريم في البكاء المر ,, يالله جائت ريم لتصبرني فلم تصبر وأخذت تبكي ,, تركتها تبكي فربما بكاؤها يخفف القليل مما في صدرها ,, أو لعلي تركتها تبكي لأن من تبكي عليه يستحق هذا البكاء ,, بكت ريم بجانبي على السرير حتى بح صوتها ونامت .
هكذا عاشت روان طاهرة ,, وماتت طاهرة ,, ذهبت روحها نقية صافية كما جائت إلى الدنيا نقية صافية ,, لم تعبث في حياتها ولم تدنس نفسها بما يسوء ,, ثم أحبت وصمتت ولم تفرق بين أحد ,, ثم أحبت وعفت وأسعدت من كان يحبها ,, حتى أنها بالغت في إسعاده فكان ثمنا لحياتها التي أرخصتها لمن أحبها ,, ولم تكتفي بل قطعت كل أمل بوعد قطعته على نفسي أمامها بألا أبحث أو حتى أفكرفيمن قتلها واكتفت بعقاب رب العزة له وكفى به عقابا ,, أرضت ربها وأرضت وبرت بوالديها وأرضت نفسها وأرضتني .

عشت مع روان وتعلمت منها ,, حقا فقد كنت أكبرها بسنوات ولكنها تكبرني بعقلها ,, تعلمت منها الحب الحقيقي ومعناه وقت أن أحببتها وأتعبتها باتصالاتي ورسائلي وأحبتني وصمتت لأجلي ,, تعلمت منها الوفاء والإخلاص والأخوة ,, علمتني الصبر والرضا بالقدر ,, تعلمت من رؤيتي لها معنى الجمال وصفاته ,, حتى أنها لم تكتف وعلمتني قبل أن تموت كيف تكون الخيانة وكيف يكون جزاؤها ,, وعلمتني الوعد الصادق والوفاء به ,, ومع كل هذا لم ترحل عن هذا الدنيا إلا وقد اطمأنت أنها لن تخلف وراءها كرها أو بغضا أو مشاحنات .
ربما قد يجر الزمن أذياله وينسيني أشياءا كثيرة ,, ولكني لن أنسى صورة روان وهي تحتضن يدي وتقبل قدماي وتؤكد لي أنها لم تصدق شيئا مما قالته تلك المرأة اللعينة عني ,, هل يوجد وفاء كهذا ؟؟ لا أظن فبعد غياب روان عن الدنيا غاب الوفاء الحق معها .
روان حبيبتي وزوجتي التي لم أر إلا وجهها غابت عن هذه الدنيا وتركتني وحيدا ,, أغالب همومي وأشتكي لنفسي ,, ولكن بإذن الله سنلتقي ياروان .. إذا شاء الله سنلتقي .

مرت أشهر على موتها ,, امتدت بعدها يدي لتلطخ حبرا في الأوراق ,, تراكم ذلك الحبرفأصبح حروفا تسيل لها العين ,, لم أكتب إلا وقد تأكدت أني لن أخون عهدي ووعدي لها ,, فأنا وعدتها بأن لا أكتب ماحدث لها إلا إذا كان ينفعني بشيء أو يخلصني من موقف وضعت فيه ,, وها أنا الآن أكتب لأن حملي ثقل وأثقل كاهلي ,, فعزمت على الكتابة لكي يخف حملي ,, وتتوزع المأساة على قلوب من قرأ هذا الكلام ,, فإن المأساة إن حملها قلب واحد تعب وخار ,, وإن حملتها قلوب كثيرة وتوزعتها فيما بينها ربما خف الحمل على القلب الحامل الأصل .
وقد تأكدت قبل أن أكتب بأن لا أحد يعرف ( نايف ) و ( روان ) و ( ريم ) و( عصام ) وغيرهم من أفراد العائلة المذكورين ,, حتى ولو قرأ أحد أفراد العائلة هذا الكلام فلن يستطيع فك رموزه لأنه سيجد اسمه حتما قد غير وصار اسما مستعارا هنا .
ومن سالت من عينه دمعة لأجلها ثم جفت فليعلم أن هناك دموع لن تجف ستبقى تذكر هذه الفتاة .
وهذه هي نهاية ( دموع لن تجف )
أثبت هذه المأساة شخص يكني نفسه ( آآآآهات مبدع ) في رسائله لها .
ولكل من قرأ الشكر ,, ولكل من قرأ العفو ,, وأرجو ممن قرأ أن يتذكر هذا الكاتب ويوافيه برأيه الشخصي وأنا أقبله وأستنير به ,, ممن كان فأنا أعرف وأوقن أن من قرأ الكلام كله وحرك في نفسه أي شعور ,, سيكتب وسيرسل رأيه على البريد التالي :
[فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات . إضغط هنا للتسجيل]

  رد مع اقتباس
قديم 03-30-07, 05:08 AM   #2
ملاك و حبه هلاك...
منتديآت لمني بشوق
 
الصورة الرمزية ملاك و حبه هلاك
افتراضي رد: ( دموع لن تجف أبدا ) قصة من واقع الرياض

مشكوووووور اخوي
بس والله ما قريتها كامله
انشاء الله اذا قريتها ارد عليها
يعطيك العافيه
  رد مع اقتباس
قديم 03-31-07, 11:31 PM   #3
آهات مبدع...
منتديآت لمني بشوق
 
الصورة الرمزية آهات مبدع
افتراضي رد: ( دموع لن تجف أبدا ) قصة من واقع الرياض

أشكرك ملاك على المرور ,, وأتمنى من كل قلبي إكمال القصة ثم الحكم ,, وانشااء الله تعجبكم
  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
دموع ليله الزفاف سر لا تعرفه الا العرووس عيون الحب (✿) سِيْرِهـُ وآنْفُتَحت 8 04-06-11 04:45 PM
.•.°.•لحظات تنزف فيها العين دموع من دم.•.°.• "لؤلؤة البحر" (✿) آوِرِآقْ مُبعثَرٍه ~ 9 02-03-08 07:45 PM
(جدول الدوري السعودي 1428) الــــــــــــمـــهجول (✿) صَدَى الْمَلَاعِب 2 11-20-07 01:59 PM
عليا و مايد همس الصحاري (✿) يُحْكَى أَن .. 13 02-17-07 01:45 AM
بـــــنــــــــــات الـــريـــــــــــــاض صــ الخواطر ــدى (✿) سِيْرِهـُ وآنْفُتَحت 8 12-08-05 12:52 AM

لمني بشوق منتديات لمني بشوق مركز تحميل لمني بشوق

الساعة الآن 07:32 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.9
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
جميع الحقوق محفوظه لمنتديات لمني بشوق